التفاسير

< >
عرض

لَن تَنَالُواْ ٱلْبِرَّ حَتَّىٰ تُنْفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُواْ مِن شَيْءٍ فَإِنَّ ٱللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ
٩٢
-آل عمران

فتح القدير

هذا كلام مستأنف خطاب للمؤمنين عقب ذكر ما لا ينفع الكفار. قوله: { لَن تَنَالُواْ ٱلْبِرَّ } يقال: نالني من فلان معروف ينالني، أي: وصل إليّ، والنوال: العطاء من قولك نولته تنويلاً أعطيته. والبرّ: العمل الصالح، وقال ابن مسعود، وابن عباس، وعطاء، ومجاهد، وعمرو بن ميمون، والسديّ: هو الجنة، فمعنى الآية: لن تنالوا العمل الصالح، أو الجنة، أي: تصلوا إلى ذلك، وتبلغوا إليه حتى تنفقوا مما تحبون، أي: حتى تكون نفقتكم من أموالكم التي تحبونها، و { مِنْ } تبعيضية، ويؤيده قراءة ابن مسعود: «حتى تنفقوا بعض ما تحبون» وقيل: بيانية { وَمَا } موصولة، أو موصوفة، والمراد النفقة في سبيل الخير من صدقة، أو غيرها من الطاعات، وقيل: المراد: الزكاة المفروضة. وقوله: { مِن شَىْء } بيان لقوله: { مَا تُنفِقُواْ } أي: ما تنفقوا من أيّ شيء سواء كان طيباً، أو خبيثاً { فَإِنَّ ٱللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ } و"ما" شرطية جازمة. وقوله: { فَإِنَّ ٱللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ } تعليل لجواب الشرط واقع موقعه.

وقد أخرج البخاري، ومسلم، وغيرهما، عن أنس: «أن أبا طلحة لما نزلت هذه الآية أتى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله إن أحبّ أموالي إليّ بيرحاء، وإنها صدقة» الحديث. وقد روي بألفاظ. وأخرج عبد بن حميد، والبزار، عن ابن عمر قال: حضرتني هذه الآية: { لَن تَنَالُواْ ٱلْبِرَّ حَتَّىٰ تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ } فذكرت ما أعطاني الله، فلم أجد شيئاً أحبّ إلي من مرجانة جارية لي رومية، فقلت: هي حرّة لوجه الله، فلو أني أعود في شيء جعلته لله لنكحتها، فأنكحتها نافعاً. وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، عن عمر بن الخطاب أنه كتب إلى أبي موسى الأشعري أن يبتاع له جارية من سبي جلولاء، فدعا بها عمر، فقال: إن الله يقول: { لَن تَنَالُواْ ٱلْبِرَّ حَتَّىٰ تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ } فأعتقها عمر، وأخرج سعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم: إنها لما نزلت الآية جاء زيد بن حارثة بفرس له يقال لها: سبل، لم يكن له مال أحبّ إليه منها، فقال: هي صدقة. وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم، عن ابن مسعود في قوله تعالى: { لَن تَنَالُواْ ٱلْبِرَّ } قال: الجنة. وأخرج ابن جرير، عن عمرو بن ميمون، والسدي مثله. وأخرج ابن المنذر، عن مسروق مثله.