التفاسير

< >
عرض

يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَآءً وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِي تَسَآءَلُونَ بِهِ وَٱلأَرْحَامَ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً
١
وَآتُواْ ٱلْيَتَامَىٰ أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَتَبَدَّلُواْ ٱلْخَبِيثَ بِٱلطَّيِّبِ وَلاَ تَأْكُلُوۤاْ أَمْوَالَهُمْ إِلَىٰ أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوباً كَبِيراً
٢
وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي ٱلْيَتَامَىٰ فَٱنكِحُواْ مَا طَابَ لَكُمْ مِّنَ ٱلنِّسَآءِ مَثْنَىٰ وَثُلَٰثَ وَرُبَٰعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَٰحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَٰنُكُمْ ذٰلِكَ أَدْنَىٰ أَلاَّ تَعُولُواْ
٣
وَءَاتُواْ ٱلنِّسَآءَ صَدُقَٰتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَّرِيئاً
٤
-النساء

فتح القدير

المراد بالناس: الموجودون عند الخطاب من بني آدم، ويدخل من سيوجد بدليل خارجي، وهو الإجماع على أنهم مكلفون بما كلف به الموجودون، أو تغليب الموجودين على من لم يوجد، كما غلب الذكور على الإناث في قوله: { ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ } لاختصاص ذلك بجمع المذكر. والمراد بالنفس الواحدة هنا: آدم. وقرأ ابن أبي عبلة، "واحد" بغير هاء على مراعاة المعنى، فالتأنيث باعتبار اللفظ، والتذكير باعتبار المعنى. قوله: { وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا } قيل: هو معطوف على مقدر يدل عليه الكلام، أي: خلقكم من نفس واحدة خلقها أولاً، وخلق منها زوجها، وقيل: على خلقكم، فيكون الفعل الثاني داخلاً مع الأوّل في حيز الصلة. والمعنى: وخلق من تلك النفس التي هي عبارة عن آدم زوجها، وهي حواء. وقد تقدم في البقرة معنى التقوى، والربّ، والزوج، والبث، والضمير في قوله: { مِنْهَا } راجع إلى آدم وحواء المعبر عنهما بالنفس، والزوج. وقوله: { كَثِيراً } وصف مؤكد لما تفيده صيغة الجمع لكونها من جموع الكثرة وقيل: هو نعت لمصدر محذوف، أي: بثاً كثيراً. وقوله: { وَنِسَاء } أي: كثيرة، وترك التصريح به استغناء بالوصف الأوّل. قوله: { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِى تَسَاءلُونَ بِهِ وَٱلأرْحَامَ } قرأ أهل الكوفة بحذف التاء الثانية، وأصله تتساءلون تخفيفاً لاجتماع المثلين. وقرأ أهل المدينة، وابن كثير، وأبو عمرو، وابن عامر بإدغام التاء في السين؛ والمعنى: يسأل بعضكم بعضاً بالله والرحم، فإنهم كانوا يقرنون بينهما في السؤال، والمناشدة، فيقولون: أسألك بالله والرحم، وأنشدك الله والرحم، وقرأ النخعي، وقتادة، والأعمش، وحمزة: { وَٱلأرْحَامِ } بالجر. وقرأ الباقون بالنصب.

وقد اختلف أئمة النحو في توجيه قراءة الجر، فأما البصريون، فقالوا: هي لحن لا تجوز القراءة بها. وأما الكوفيون، فقالوا هي قراءة قبيحة. قال سيبويه في توجيه هذا القبح: إن المضمر المجرور بمنزلة التنوين، والتنوين لا يعطف عليه. وقال الزجاج، وجماعة: بقبح عطف الاسم الظاهر على المضمر في الخفض إلا بإعادة الخافض كقوله تعالى { { فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ ٱلأرْضَ } [القصص: 81] وجوز سيبويه ذلك في ضرورة الشعر، وأنشد:

فاليوم قرّبت تهجونا وتشتمنا فاذهب فما بك والأيام من عجب

ومثله قول الآخر:

تعلق في مثل السوارى سيوفنا وما بينها والكعب وهوىً نفانف

بعطف الكعب على الضمير في بينها. وحكى أبو علي الفارسي أن المبرد قال: لو صليت خلف إمام يقرأ: "وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِى تَسَاءلُونَ بِهِ وَٱلأرْحَامَ" بالجر، لأخذت نعلي، ومضيت. وقد ردّ الإمام أبو نصر القشيري ما قاله القادحون في قراء الجرّ، فقال: ومثل هذا الكلام مردود عند أئمة الدين، لأن القراءات التي قرأ بها أئمة القراء ثبتت عن النبي صلى الله عليه وسلم تواتراً، ولا يخفى عليك أن دعوى التواتر باطلة، يعرف ذلك من يعرف الأسانيد التي رووها بها، ولكن ينبغي أن يحتج للجواز بورود ذلك في أشعار العرب، كما تقدم، وكما في قول بعضهم:

وحسبك والضحاك سيف مهند

وقول الآخر:

وقد رام آفاق السماء فلم يجد له مصعداً فيها ولا الأرض مقعداً

وقول الآخر:

ما إن بها ولا الأمور من تلف ما حُمَّ من أمر غَيْبِه وَقَعَا

وقول الآخر:

أمر على الكتيبة لست أدري أحتفي كان فيها أم سواها

فسواها في موضع جرّ عطفاً على الضمير في فيها، ومنه قوله تعالى: { { وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَـٰيِشَ وَمَن لَّسْتُمْ لَهُ بِرٰزِقِينَ } [الحجر: 30]. وأما قراءة النصب، فمعناها واضح جليّ؛ لأنه عطف الرحم على الاسم الشريف، أي: اتقوا الله واتقوا الأرحام فلا تقطعوها، فإنها مما أمر الله به أن يوصل وقيل إنه عطف على محل الجار والمجرور في قوله { بِهِ } كقولك مررت بزيد وعمراً، أي: اتقوا الله الذي تساءلون به، وتتساءلون بالأرحام. والأوّل أولى. وقرأ عبد الله بن يزيد، "والأرحام" بالرفع على الابتداء، والخبر مقدّر، أي: والأرحام صلوها، أو والأرحام أهل أن توصل، وقيل: إن الرفع على الإغراء عند من يرفع به، ومنه قول الشاعر:

إن قوماً منهم عمير وأشبا هُ عمير ومنهم السفاح
لجديرون باللقاء إذا قا ل أخ النجدة السلاح السلاح

و{ الأرحام } اسم لجميع الأقارب من غير فرق بين المحرم وغيره، لا خلاف في هذا بين أهل الشرع، ولا بين أهل اللغة. وقد خصص أبو حنيفة، وبعض الزيدية الرحم بالمحرم، في منع الرجوع في الهبة، مع موافقتهم على أن معناها أعم، ولا وجه لهذا التخصيص. قال القرطبي: اتفقت الملة على أن صلة الرحم واجبة، وأن قطيعتها محرّمة، انتهى. وقد وردت بذلك الأحاديث الكثيرة الصحيحة. والرقيب: المراقب، وهي صيغة مبالغة، يقال رقبت أرقب رقبة ورقباناً: إذا انتظرت.

قوله: { وَءاتُواْ ٱلْيَتَـٰمَىٰ أَمْوٰلَهُمْ } خطاب للأولياء، والأوصياء. والإيتاء: الإعطاء. واليتيم: من لا أب له. وقد خصصه الشرع بمن لم يبلغ الحلم. وقد تقدم تفسير معناه في البقرة مستوفي، وأطلق اسم اليتيم عليهم عند إعطائهم أموالهم، مع أنهم لا يعطونها إلا بعد ارتفاع اسم اليتم بالبلوغ مجازاً باعتبار ما كانوا عليه، ويجوز أن يراد باليتامى المعنى الحقيقي، وبالإيتاء ما يدفعه الأولياء، والأوصياء إليهم من النفقة، والكسوة لا دفعها جميعاً،وهذه الآية مقيدة بالآية الأخرى، وهي قوله تعالى: { { فإن آنستم منهم رشداً فادفعوا إليهم أموالهم } [النساء: 6] فلا يكون مجرد ارتفاع اليتم بالبلوغ مسوغاً لدفع أموالهم إليهم، حتى يؤنس منهم الرشد.

قوله: { وَلاَ تَتَبَدَّلُواْ ٱلْخَبِيثَ بِٱلطَّيّبِ } نهي لهم عن أن يصنعوا صنع الجاهلية في أموال اليتامى، فإنهم كانوا يأخذون الطيب من أموال اليتامى، ويعوضونه بالرديء من أموالهم، ولا يرون بذلك بأساً وقيل المعنى: لا تأكلوا أموال اليتامى، وهي محرّمة خبيثة، وتدعوا الطيب من أموالكم. وقيل المراد: لا تتعجلوا أكل الخبيث من أموالهم، وتدعوا انتظار الرزق الحلال من عند الله، والأوّل أولى؛ فإن تبدل الشيء بالشيء في اللغة أخذه مكانه، وكذلك استبداله، ومنه قوله تعالى: { { وَمَن يَتَبَدَّلِ ٱلْكُفْرَ بِٱلإِيمَـٰنِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء ٱلسَّبِيلِ } [البقرة: 108] وقوله: { أَتَسْتَبْدِلُونَ ٱلَّذِى هُوَ أَدْنَىٰ بِٱلَّذِى هُوَ خَيْرٌ } [البقرة: 61] وأما التبديل فقد يستعمل كذلك كما في قوله: { { وَبَدَّلْنَـٰهُمْ بجنتيهم جَنَّتَيْنِ } [سبأ: 16] وأخرى بالعكس، كما في قولك بدّلت الحلقة بالخاتم: إذا أذبتها، وجعلتها خاتماً، نص عليه الأزهري.

قوله: { وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوٰلَهُمْ إِلَىٰ أَمْوٰلِكُمْ } ذهب جماعة من المفسرين إلى أن المنهي عنه في هذه الآية هو الخلط، فيكون الفعل مضمناً معنى الضم، أي: لا تأكلوا أموالهم مضمومة إلى أموالكم، ثم نسخ هذا بقوله تعالى: { وَإِن تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوٰنُكُمْ } [البقرة: 220] وقيل: إن "إلى" بمعنى "مع"، كقوله تعالى: { مَنْ أَنصَارِى إِلَى ٱللَّهِ } [آل عمران: 52] والأوّل أولى. والحوب: الإثم يقال حاب الرجل يحوب حوباً: إذا أثم، وأصله الزجر للإبل، فسمي الإثم حوباً لأنه يزجر عنه. والحوبة: الحاجة. والحوب أيضاً: الوحشة، وفيه ثلاث لغات: ضم الحاء وهي قراءة الجمهور. وفتح الحاء، وهي قراءة الحسن، قال الأخفش: وهي لغة تميم. والثالثة الحاب. وقرأ أبيّ بن كعب حاباً على المصدر، كقال قالا. والتحوب التحزن، ومنه قول طفيل:

فذوقوا كما ذقنا غداة مُجّجرٍ من الغيظ في أكبادنا والتحوب

قوله: { وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِى ٱلْيَتَـٰمَىٰ فَٱنكِحُواْ } وجه ارتباط الجزاء بالشرط أن الرجل كان يكفل اليتيمة لكونه ولياً لها ويريد أن يتزوجها، فلا يقسط لها في مهرها، أي: يعدل فيه، ويعطيها ما يعطيها غيره من الأزواج، فنهاهم الله أن ينكحوهنّ إلا أن يقسطوا لهنّ، ويبلغوا بهنّ أعلى ما هو لهنّ من الصداق، وأمروا أن ينكحوا ما طاب لهنّ من النساء سواهنّ، فهذا سبب نزول الآية كما سيأتي، فهو نهي يخص هذه الصورة. وقال جماعة من السلف: إن هذه الآية ناسخة لما كان في الجاهلية، وفي أوّل الإسلام من أن للرجل أن يتزوج من الحرائر ما شاء، فقصرهم بهذه الآية على أربع، فيكون وجه ارتباط الجزاء بالشرط أنهم إذا خافوا ألا يقسطوا في اليتامى، فكذلك يخافون ألا يقسطوا في النساء، لأنهم كانوا يتحرجون في اليتامى، ولا يتحرجون في النساء، والخوف من الأضداد، فإن المخوف قد يكون معلوماً، وقد يكون مظنوناً، ولهذا اختلف الأئمة في معناه في الآية، فقال أبو عبيدة: { خِفْتُمْ } بمعنى أيقنتم. وقال آخرون: { خِفْتُمْ } بمعنى ظننتم. قال ابن عطية: وهو الذي اختاره الحذاق، وأنه على بابه من الظن لا من اليقين، والمعنى: من غلب على ظنه التقصير في العدل لليتيمة، فليتركها، وينكح غيرها. وقرأ النخعي وابن وثاب: "تُقْسِطُواْ" بفتح التاء من قسط: إذا جار، فتكون هذه القراءة على تقدير زيادة "لا"، كأنه قال: وإن خفتم أن تقسطوا. وحكى الزجاج أن أقسط يستعمل استعمال قسط، والمعروف عند أهل اللغة أن أقسط بمعنى عدل، وقسط بمعنى جار.

و«ما» في قوله: { مَا طَابَ } موصولة، وجاء "بما" مكان "من". لأنهما قد يتعاقبان، فيقع كل واحد منهما مكان الآخر كما في قوله: { { وَٱلسَّمَاء وَمَا بَنَـٰهَا } [الشمس: 5] { فَمِنْهُمْ مَّن يَمْشِى عَلَىٰ بَطْنِهِ وَمِنهُمْ مَّن يَمْشِى عَلَىٰ أَرْبَع } [النور: 45]. وقال البصريون: إن «ما» تقع للنعوت كما تقع لما لا يعقل، يقال ما عندك؟ فيقال ظريف وكريم، فالمعنى: فانكحوا الطيب من النساء، أي: الحلال، وما حرّمه الله، فليس بطيب، وقيل: إن «ما» هنا مدّية، أي: ما دمتم مستحسنين للنكاح، وضعفه ابن عطية. وقال الفراء: إن «ما» ها هنا مصدرية. قال النحاس: وهذا بعيد جداً. وقرأ ابن أبي عبلة: "فَٱنكِحُواْ منْ طَابَ }. وقد اتفق أهل العلم على أن هذا الشرط المذكور في الآية لا مفهوم له، وأنه يجوز لمن لم يخف أن يقسط في اليتامى أن ينكح أكثر من واحدة، و«من» في قوله: { مّنَ ٱلنّسَاء } إما بيانية، أو تبعيضية، لأن المراد غير اليتائم. قوله: { مَثْنَىٰ وَثُلَـٰثَ وَرُبَاعَ } في محل نصب على البدل من «ما» كما قاله أبو علي الفارسي. وقيل: على الحال، وهذه الألفاظ لا تنصرف للعدل والوصفية، كما هو مبين في علم النحو، والأصل: انكحوا ما طاب لكم من النساء اثنتين اثنتين، وثلاثاً ثلاثاً، وأربعاً أربعاً.

وقد استدل بالآية على تحريم ما زاد على الأربع، وبينوا ذلك بأنه خطاب لجميع الأمة، وأن كل ناكح له أن يختار ما أراد من هذا العدد، كما يقال للجماعة: اقتسموا هذا المال، وهو ألف درهم، أو هذا المال الذي في البدرة درهمين درهمين، وثلاثة ثلاثة، وأربعة أربعة. وهذا مسلم إذا كان المقسوم قد ذكرت جملته، أو عين مكانه، أما لو كان مطلقاً، كما يقال: اقتسموا الدراهم، ويراد به ما كسبوه، فليس المعنى هكذا. والآية من الباب الآخر لا من الباب الأوّل. على أن من قال لقوم يقتسمون مالاً معيناً كثيراً اقتسموه مثنى وثلاث ورباع، فقسموا بعضه بينهم درهمين درهمين، وبعضه ثلاثة ثلاثة، وبعضه أربعة أربعة، كان هذا هو المعنى العربيّ، ومعلوم أنه إذا قال القائل جاءني القوم مثنى، وهم مائة ألف. كان المعنى أنهم جاؤوه اثنين اثنين، وهكذا جاءني في القوم ثلاث ورباع، والخطاب للجميع بمنزلة الخطاب لكل فرد فرد، كما في قوله تعالى: { فٱقتلوا ٱلْمُشْرِكِينَ } [التوبة: 5] { أَقِيمُواْ الصلاة } [النور: 56]، { { أَتَوْا ٱلزَّكَوٰةَ } [النور: 56] ونحوها، فقوله: { فَٱنكِحُواْ مَا طَابَ لَكُمْ مّنَ ٱلنّسَاء مَثْنَىٰ وَثُلَـٰثَ وَرُبَاعَ } معناه لينكح كل فرد منكم ما طاب له من النساء اثنتين اثنتين، وثلاثاً ثلاثاً، وأربعاً أربعاً، هذا ما تقتضيه لغة العرب. فالآية تدلّ على خلاف ما استدلوا بها عليه، ويؤيد هذا قوله تعالى في آخر الآية: { فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ *تَعْدِلُواْ فَوٰحِدَةً } فإنه وإن كان خطاباً للجميع، فهو بمنزلة الخطاب لكل فرد فرد. فالأولى أن يستدل على تحريم الزيادة على الأربع بالسنة لا بالقرآن.

وأما استدلال من استدّل بالآية على جواز نكاح التسع باعتبار الواو الجامعة، فكأنه قال: انكحوا مجموع هذا العدد المذكور، فهذا جهل بالمعنى العربي، ولو قال: انكحوا اثنتين وثلاثاً وأربعا كان هذا القول له وجه، وأما مع المجيء بصيغة العدل فلا، وإنما جاء سبحانه بالواو الجامعة دون "أو"، لأن التخيير يشعر بأنه لا يجوز إلا أحد الأعداد المذكورة دون غيره، وذلك ليس بمراد من النظم القرآني. وقرأ النخعي، ويحيـى بن وثاب "ثلث وربع" بغير ألف.

قوله: { فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوٰحِدَةً } فانكحوا واحدة، كما يدل على ذلك قوله: { فَٱنكِحُواْ مَا طَابَ } وقيل: التقدير فالزموا، أو فاختاروا واحدة. والأول أولى، والمعنى: فإن خفتم ألا تعدلوا بين الزوجات في القسم، ونحوه، فانكحوا واحدة، وفيه المنع من الزيادة على الواحدة لمن خاف ذلك. وقرىء بالرفع على أنه مبتدأ،

والخبر محذوف. قال الكسائي: أي فواحدة تقنع. وقيل التقدير: فواحدة فيها كفاية، ويجوز أن تكون واحدة على قراءة الرفع خبر مبتدأ محذوف، أي: فالمقنع واحدة. قوله: { أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَـٰنُكُمْ } معطوف على واحدة، أي: فانكحوا واحدة، أو انكحوا ما ملكت أيمانكم من السراري، وإن كثر عددهنّ، كما يفيده الموصول. والمراد: نكاحهن بطريق الملك لا بطريق النكاح، وفيه دليل على أنه لا حق للمملوكات في القسم، كما يدل على ذلك جعله قسيماً للواحدة في الأمن من عدم العدل، وإسناد الملك إلى اليمين، لكونها المباشرة لقبض الأموال، وإقباضها، ولسائر الأمور التي تنسب إلى الشخص في الغالب، ومنه:

إذا ما راية نصبت لمجد تلقاها عرابة باليمين

قوله: { ذٰلِكَ أَدْنَىٰ أَلاَّ تَعُولُواْ } أي ذلك أقرب إلى ألا تعولوا، أي: تجوروا، من عال الرجل يعول: إذا مال وجار، ومنه قولهم عال السهم عن الهدف: مال عنه، وعال الميزان إذا مال، ومنه:

قالوا تبعنا رسول الله واطرحوا قول الرسول وعالوا في الموازين

ومنه قول أبى طالب:

بميزان صدق لا يغل شعيرة له شاهد من نفسه غير عائل

ومنه أيضاً:

فنحن ثلاثة وثلاث ذود لقد عال الزمان على عيالي

والمعنى: إن خفتم عدم العدل بين الزوجات، فهذه التي أمرتم بها أقرب إلى عدم الجور، ويقال عال الرجل يعيل: إذا افتقر، وصار عالة، ومنه قوله تعالى: { { وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً } [التوبة: 28]، ومنه قول الشاعر:

وما يدري الفقير متى غناه وما يدري الغنيّ متى يعيل

وقال الشافعي: { أَلاَّ تَعُولُواْ } ألا تكثر عيالكم. قال الثعلبي: وما قال هذا غيره، وإنما يقال أعال يعيل: إذا كثر عياله. وذكر ابن العربي أن عال تأتي لسبعة معان: الأوّل عال: مال. الثاني زاد. الثالث جار. الرابع افتقر الخامس أثقل، السادس قام بمؤونة العيال، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: "وابدأ بمن تعول" ، السابع عال: غلب، ومنه عيل صبري، قال: ويقال أعال الرجل: كثر عياله. وأما عال بمعنى كثر عياله، فلا يصح، ويجاب عن إنكار الثعلبي لما قاله الشافعي، وكذلك إنكار ابن العربي لذلك، بأنه قد سبق الشافعي إلى القول به زيد بن أسلم وجابر بن زيد، وهما إمامان من أئمة المسلمين لا يفسران القرآن هما، والإمام الشافعي بما لا وجه له في العربية. وقد أخرج ذلك عنهما الدارقطني في سننه. وقد حكاه القرطبي عن الكسائي، وأبي عمر الدوري، وابن الأعرابي، وقال أبو حاتم: كان الشافعي أعلم بلغة العرب منا، ولعله لغة. وقال الثعلبي: قال أستاذنا أبو القاسم بن حبيب: سألت أبا عمر الدوري عن هذا، وكان إماماً في اللغة غير مدافع، فقال: هي لغة حمير، وأنشد:

وإن الموت يأخذ كل حي بلا شك وإن أمشي وعالا

أي: وإن كثرت ماشيته وعياله. وقرأ طلحة بن مصرف: "أَن لا تعيلوا" قال ابن عطية: وقدح الزجاج في تأويل عال من العيال بأن الله سبحانه قد أباح كثرة السراري، وفي ذلك تكثير العيال، فكيف يكون أقرب إلى أن لا يكثروا، وهذا القدح غير صحيح، لأن السراري إنما هي مال يتصرف فيه بالبيع، وإنما العيال الحرائر ذوات الحقوق الواجبة. وقد حكى ابن الأعرابي أن العرب تقول: عال الرجل إذا كثر عياله، وكفى بهذا.

وقد ورد عال لمعان غير السبعة التي ذكرها ابن العربي، منها عال: اشتدّ وتفاقم، حكاه الجوهري، وعال الرجل في الأرض: إذا ضرب فيها، حكاه الهروي، وعال: إذا أعجز، حكاه الأحمر، فهذه ثلاثة معان غير السبعة والرابع عال كثر عياله، فجملة معاني عال أحد عشر معنى.

قوله: { وَءاتُواْ ٱلنّسَاء صَدُقَـٰتِهِنَّ نِحْلَةً } الخطاب للأزواج. وقيل: للأولياء. والصدقات بضم الدال جمع صدقة كثمرة، قال الأخفش: وبنو تميم يقولون صدقة، والجمع صدقات، وإن شئت فتحت، وإن شئت أسكنت. والنحلة بكسر النون وضمها لغتان، وأصلها العطاء نحلت فلاناً: أعطيته، وعلى هذا، فهي منصوبة على المصدرية لأن الإيتاء بمعنى الإعطاء. وقيل: النحلة التدين فمعنى نحلة تديناً، قاله الزجاج، وعلى هذا، فهي منصوبة على المفعول له. وقال قتادة: النحلة الفريضة، وعلى هذا فهي منصوبة على الحال. وقيل: النحلة طيبة النفس، قال أبو عبيد: ولا تكون النحلة إلا عن طيبة نفس. ومعنى الآية على كون الخطاب للأزواج: أعطوا النساء اللاتي نكحتموهنّ مهورهنّ التي لهن عليكم عطية، أو ديانة منكم، أو فريضة عليكم، أو طيبة من أنفسكم. ومعناها على كون الخطاب للأولياء: أعطوا النساء من قراباتكم التي قبضتم مهورهنّ من أزواجهنّ تلك المهور. وقد كان الولي يأخذ مهر قريبته في الجاهلية، ولا يعطيها شيئاً، حكى ذلك عن أبي صالح، والكلبي. والأوّل أولى، لأن الضمائر من أوّل السياق للأزواج. وفي الآية دليل على أن الصداق واجب على الأزواج للنساء، وهو مجمع عليه، كما قال القرطبي، قال: وأجمع العلماء أنه لا حدّ لكثيره، واختلفوا في قليله. وقرأ قتادة: «صدقاتهن» بضم الصاد وسكون الدال. وقرأ النخعي، وابن وثاب بضمهما. وقرأ الجمهور بفتح الصاد وضم الدال.

قوله: { فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَىْء مّنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَّرِيئاً } الضمير في { منه } راجع إلى الصداق الذي هو واحد الصدقات، أو إلى المذكور، وهو الصدقات، أو هو بمنزلة اسم الإشارة، كأنه قال من ذلك، و{ نفساً } تمييز. وقال أصحاب سيبويه: منصوب بإضمار فعل لا تمييز، أي: أعني نفساً. والأوّل أولى، وبه قال الجمهور. والمعنى: فإن طبن، أي: النساء لكم أيها الأزواج، أو الأولياء عن شيء من المهر { فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَّرِيئاً } وفي قوله: { طِبْنَ } دليل على أن المعتبر في تحليل ذلك منهن لهم إنما هو طيبة النفس لا مجرد ما يصدر منها من الألفاظ التي لا يتحقق معها طيبة النفس، فإذا ظهر منها ما يدل على عدم طيبة نفسها لم يحلّ للزوج، ولا للوليّ، وإن كانت قد تلفظت بالهبة، أو النذر، أو نحوهما. وما أقوى دلالة هذه الآية على عدم اعتبار يصدر من النساء من الألفاظ المفيدة للتمليك بمجردها لنقصان عقولهنّ، وضعف إدراكهنّ، وسرعة انخداعهن، وانجذابهنّ إلى ما يراد منهن بأيسر ترغيب، أو ترهيب.

وقوله: { هَنِيئاً مَّرِيئاً } منصوبان على أنهما صفتان لمصدر محذوف، أي: أكلا هنيئاً مريئاً، أو قائمان مقام المصدر، أو على الحال، يقال: هناه الطعام والشراب يهنيه، ومرأه وأمرأه من الهنيء، والمريء، والفعل هنأ، ومرأ، أي: أتى من غير مشقة، ولا غيظ، وقيل: هو الطيب الذي لا تنغيص فيه. وقيل: المحمود العاقبة الطيب الهضم. وقيل: مالا إثم فيه، والمقصود هنا أنه حلال لهم خالص عن الشوائب. وخص الأكل لأنه معظم ما يراد بالمال وإن كان سائر الانتفاعات به جائزة كالأكل.

وقد أخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، عن مجاهد في قوله: { خَلَقَكُمْ مّن نَّفْسٍ وٰحِدَةٍ } قال: آدم { وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا } قال: حواء من قصيري آدم، أي: قصيري أضلاعه. وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس مثله. وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر قال: خلقت حواء من خلف آدم الأيسر. وأخرج ابن أبي حاتم، عن الضحاك قال: من ضلع الخلف، وهو من أسفل الاضلاع. وأخرج ابن جرير، عن ابن عباس: { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِى تَسَاءلُونَ بِهِ } قال: تعاطون به. وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن أبي حاتم، عن الربيع قال: تعاقدون وتعاهدون. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، عن مجاهد قال: يقول أسألك بالله والرحم. وأخرج ابن جرير، عن الحسن نحوه. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، عن ابن عباس قال: اتقوا الله الذي تساءلون به، واتقوا الأرحام، وصلوها.

وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، عن مجاهد: { إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً } قال: حفيظاً.

وأخرج ابن أبي حاتم، عن سعيد بن جبير قال: إن رجلاً من غطفان كان معه مال كثير لابن أخ له، فلما بلغ اليتيم طلب ماله، فمنعه عمه، فخاصمه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فنزلت: { وَءاتُواْ ٱلْيَتَـٰمَىٰ أَمْوٰلَهُمْ } يعني الأوصياء، يقول: أعطوا اليتامى أموالهم: { وَلاَ تَتَبَدَّلُواْ ٱلْخَبِيثَ بِٱلطَّيّبِ } يقول: لا تستبدلوا الحرام من أموال الناس بالحلال من أموالكم، يقول: لا تذروا أموالكم الحلال، وتأكلوا أموالهم الحرام. وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والبيهقي في شعب الإيمان، عن مجاهد قال: لا تعجل بالرزق الحرام قبل أن يأتيك الحلال الذي قدّر لك: { وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوٰلَهُمْ إِلَىٰ أَمْوٰلِكُمْ } قال: مع أموالكم تخلطونها، فتأكلونها جميعاً { إِنَّهُ كَانَ حُوباً } إثماً. وأخرج ابن جرير، عن ابن زيد في الآية قال: كان أهل الجاهلية لا يورثون النساء، ولا يورثون الصغار يأخذه الأكبر، فنصيبه من الميراث طيب، وهذا الذي يأخذ خبيث. وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر، عن قتادة قال: مع أموالكم. وأخرج ابن جرير، عن الحسن قال: لما نزلت هذه الآية في أموال اليتامى كرهوا أن يخالطوهم، وجعل وليّ اليتيم يعزل مال اليتيم عن ماله، فشكوا ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله: { { ويَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْيَتَـٰمَىٰ قُلْ إِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ وَإِن تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوٰنُكُمْ } [البقرة: 220] قال: فخالطوهم.

وأخرج البخاري، ومسلم، وغيرهما: أن عروة سأل عائشة عن قول الله عز وجل: { وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِى ٱلْيَتَـٰمَىٰ } قالت: يابن أختي هذه اليتيمة تكون في حجر وليها تشركه في مالها، ويعجبه مالها، وجمالها، فيريد وليها أن يتزوجها بغير أن يقسط في صداقها، فيعطيها مثل ما يعطيها غيره، فنهوا عن أن ينكحوهنّ إلا أن يقسطوا لهنّ، ويبلغوا بهنّ أعلى سننهنّ في الصداق، وأمروا أن ينكحوا ما طاب لهم من النساء سواهنّ، وأن الناس قد استفتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هذه الآية، فأنزل الله: { وَيَسْتَفْتُونَكَ فِى ٱلنّسَاء } [النساء: 127] قالت عائشة: وقول الله في الآية الأخرى: { { وَتَرْغَبُونَ أَن تَنكِحُوهُنَّ } [النساء: 127] رغبة أحدكم عن يتيمته حين تكون قليلة المال، والجمال، فنهوا أن ينكحوا من رغبوا في مالها، وجمالها من باقي النساء إلا بالقسط، من أجل رغبتهم عنهنّ إذا كن قليلات المال، والجمال. وأخرج البخاري، عن عائشة: أن رجلاً كانت له يتيمة، فنكحها، وكان لها عذق، فكان يمسكها عليه، ولم يكن لها من نفسه شيء، فنزلت: { وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِى ٱلْيَتَـٰمَىٰ } أحسبه قال: كانت شريكته في ذلك العذق، وفي ماله. وقد روي هذا المعنى من طرق. وأخرج ابن جرير، من طريق العوفي، عن ابن عباس في الآية قال: كان الرجل يتزوج بمال اليتيم ما شاء الله تعالى، فنهى الله عن ذلك. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، عنه قال: قصر الرجال على أربع نسوة من أجل أموال اليتامى.

وأخرج سعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن أبي حاتم، عن سعيد بن جبير في قوله: { وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِى ٱلْيَتَـٰمَىٰ } قال: كان الرجل يتزوج ما شاء، فقال: كما تخافون ألا تعدلوا في اليتامى، فخافوا في النساء ألا تعدلوا فيهنّ، فقصرهم على الأربع. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، عن ابن عباس في الآية قال: كانوا في الجاهلية ينكحون عشراً من النساء الأيامى، وكانوا يعظمون شأن اليتيم، فتفقدوا من دينهم شأن اليتامى، وتركوا ما كانوا ينكحون في الجاهلية. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، عنه في الآية قال: كما خفتم ألا تعدلوا في اليتامى، فخافوا ألا تعدلوا في النساء إذا جمعتموهنّ عندكم. وأخرج ابن أبي حاتم، من طريق محمد بن أبي موسى الأشعري عنه قال: فإن خفتم الزنا، فانكحوهن، يقول: كما خفتم في أموال اليتامى ألا تقسطوا فيها، فكذلك فخافوا على أنفسكم ما لم تنكحوا. وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، عن مجاهد نحوه.

وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، عن أبي مالك: { مَا طَابَ لَكُمْ } قال: ما أحلّ لكم. وأخرج ابن جرير، عن الحسن، وسعيد بن جبير مثله. وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر، عن عائشة نحوه. وأخرج الشافعي، وابن أبي شيبة، وأحمد، والترمذي، وابن ماجه، والنحاس في ناسخه، والدارقطني، والبيهقي، عن ابن عمر: أن غيلان بن سلمة الثقفي أسلم، وتحته عشر نسوة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "اختر منهنّ" وفي لفظ: "أمسك منهنّ أربعاً، وفارق سائرهن" هذا الحديث أخرجه هؤلاء المذكورون من طرق، عن إسماعيل بن علية، وغندر، وزيد بن زريع، وسعيد بن أبي عروبة، وسفيان الثوري، وعيسى بن يونس، وعبد الرحمن بن محمد المحاربي، والفضل بن موسى، وغيرهم من الحفاظ عن معمر، عن الزهري، عن سالم عن أبيه، فذكره. وقد علل البخاري هذا الحديث، فحكى عنه الترمذي أنه قال: هذا حديث غير محفوظ. والصحيح ما روي عن شعيب، وغيره، عن الزهري حدثت، عن محمد بن سويد الثقفي أن غيلان بن سلمة، فذكره، وأما حديث الزهري، عن أبيه: أن رجلاً من ثقيف طلق نساءه، فقال له عمر: لأرجمنّ قبرك، كما رجم قبر أبي رغال. وقد رواه معمر، عن الزهري مرسلاً، وهكذا رواه مالك عن الزهري مرسلاً. قال أبو زرعة: وهو أصح. ورواه عقيل، عن الزهري: بلغنا عن عثمان بن محمد بن أبي سويد قال أبو حاتم: وهذا وهم، إنما هو الزهري، عن عثمان بن أبي سويد. وقد ساقه أحمد برجال الصحيح، فقال: حدثنا إسماعيل، ومحمد بن جعفر قالا: حدثنا معمر، عن الزهري قال أبو جعفر في حديثه: أخبرنا ابن شهاب، عن سالم عن أبيه أن غيلان، فذكره، وقد روى من غير طريق معمر، والزهري، فأخرجه البيهقي، عن أيوب، عن نافع، وسالم، عن ابن عمر: أن غيلان فذكره.

وأخرج أبو داود وابن ماجه في سننهما عن عمير الأسدي قال: أسلمت، وعندي ثمان نسوة، فذكرت للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال: "اختر منهنّ أربعاً" . قال ابن كثير: إن إسناده حسن. وأخرج الشافعي في مسنده، عن نوفل بن معاوية الديلي قال: أسلمت، وعندي خمس نسوة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أمسك أربعاً، وفارق الأخرى" . وأخرج ابن ماجه، والنحاس في ناسخه، عن قيس بن الحارث الأسدي قال: «أسلمت وكان تحتي ثمان نسوة، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فأخبرته، فقال: "اختر منهنّ أربعاً، وخلّ سائرهنّ، ففعلت" . وهذه شواهد للحديث الأوّل، كما قال البيهقي. وأخرج ابن أبي شيبة، والبيهقي في سننه عن الحكم قال: أجمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن المملوك لا يجمع من النساء فوق اثنتين. وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن أبي حاتم، عن قتادة في الآية يقول: إن خفت ألا تعدل في أربع فثلاث، وإلا فثنتين، وإلا فواحدة، فإن خفت ألا تعدل في واحدة، فما ملكت يمينك. وأخرج ابن جرير، عن الربيع مثله.

وأخرج أيضاً، عن الضحاك: { فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ } قال: في المجامعة والحبّ. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن السدي: { أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَـٰنُكُمْ } قال: السراري. وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن حبان في صحيحه، عن عائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم: { ذٰلِكَ أَدْنَىٰ أَلاَّ تَعُولُواْ } قال: "ألا تجوروا" . قال ابن أبي حاتم قال أبي: هذا حديث خطأ، والصحيح، عن عائشة موقوف. وأخرج سعيد بن منصور، وابن أبي شيبة في المصنف، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، من طرق، عن ابن عباس في قوله: { أَلاَّ تَعُولُواْ } قال: ألا تميلوا. وأخرج سعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، عن عكرمة قال: ألا تميلوا، ثم قال: أما سمعت قول أبي طالب:

بميزان قسط لا يخيس شعيرة ووازن صدق وزنه غير عائل

وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، عن مجاهد: قال: ألا تميلوا. وأخرج ابن أبي شيبة، عن أبي رزين، وأبي مالك، والضحاك مثله. وأخرج ابن أبي حاتم، عن زيد بن أسلم في الآية، قال: ذلك أدنى ألا يكثر من تعولوا. وأخرج ابن أبي حاتم، عن سفيان بن عيينة قال: ألا تفتقروا.

وأخرج سعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، عن أبي صالح قال: كان الرجل إذا زوّج أيمة أخذ صداقها دونها، فنهاهم الله عن ذلك، ونزلت: { وَءاتُواْ ٱلنّسَاء صَدُقَـٰتِهِنَّ نِحْلَةً }. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، عن ابن عباس في قوله: { نِحْلَةً } قال: يعني: بالنحلة المهر. وأخرج ابن أبي حاتم، عن عائشة: { نِحْلَةً } قالت: واجبة. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبـي حاتم، عن ابن جريج: { وَءاتُواْ ٱلنّسَاء صَدُقَـٰتِهِنَّ نِحْلَةً } قال: فريضة مسماة. وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، عن قتادة مثله. وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، عن سعيد بن جبير: { فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عن شئ منه } قال: من الصداق. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، من طريق عليّ، عن ابن عباس: { فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَىْء مّنْهُ نَفْساً } يقول: إذا كان من غير إضرار، ولا خديعة، فهو هنيء مريء، كما قال الله.p>>