التفاسير

< >
عرض

قُل لِّمَن مَّا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ قُل للَّهِ كَتَبَ عَلَىٰ نَفْسِهِ ٱلرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَٰمَةِ لاَ رَيْبَ فِيهِ ٱلَّذِينَ خَسِرُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ
١٢
وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي ٱلْلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ
١٣
قُلْ أَغَيْرَ ٱللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيّاً فَاطِرِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلاَ يُطْعَمُ قُلْ إِنِّيۤ أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُشْرِكَينَ
١٤
قُلْ إِنِّيۤ أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ
١٥
مَّن يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ وَذَلِكَ ٱلْفَوْزُ ٱلْمُبِينُ
١٦
وَإِن يَمْسَسْكَ ٱللَّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدُيرٌ
١٧
وَهُوَ ٱلْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ ٱلْحَكِيمُ ٱلْخَبِيرُ
١٨
قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَٰدةً قُلِ ٱللَّهُ شَهِيدٌ بِيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنُ لأُنذِرَكُمْ بِهِ وَمَن بَلَغَ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ ٱللَّهِ ءَالِهَةً أُخْرَىٰ قُل لاَّ أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ
١٩
ٱلَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ٱلْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَآءَهُمُ ٱلَّذِينَ خَسِرُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ
٢٠
وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآيَٰتِهِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ ٱلظَّٰلِمُونَ
٢١
-الأنعام

فتح القدير

.

قوله: { قُل لّمَن مَّا فِى ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأرْضَ } هذا احتجاج عليهم وتبكيت لهم، والمعنى: قل لهم هذا القول فإن قالوا فقل لله، وإذا ثبت أن له ما في السموات والأرض إما باعترافهم، أو بقيام الحجة عليهم، فالله قادر على أن يعاجلهم بالعقاب، ولكنه كتب على نفسه الرحمة، أي وعد بها فضلاً منه وتكرّماً، وذكر النفس هنا عبارة عن تأكد وعده، وارتفاع الوسائط دونه، وفي الكلام ترغيب للمتولين عنه إلى الإقبال إليه وتسكين خواطرهم بأنه رحيم بعباده لا يعاجلهم بالعقوبة، وأنه يقبل منهم الإنابة والتوبة، ومن رحمته لهم إرسال الرسل، وإنزال الكتب، ونصب الأدلة.

قوله: { لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَـٰمَةِ } اللام جواب قسم محذوف. قال الفراء وغيره: يجوز أن يكون تمام الكلام عند قوله: { ٱلرَّحْمَةِ } ويكون ما بعدها مستأنفاً على جهة التبيين، فيكون المعنى { لَيَجْمَعَنَّكُمْ } ليمهلنكم وليؤخرنّ جمعكم. وقيل المعنى: ليجمعنكم في القبور إلى اليوم الذي أنكرتموه. وقيل: "إِلَىٰ" بمعنى في، أي ليجمعنكم في يوم القيامة. وقيل يجوز أن يكون موضع { لَيَجْمَعَنَّكُمْ } النصب على البدل من الرحمة، فتكون اللام بمعنى "أن". والمعنى: كتب ربكم على نفسه الرحمة أن يجمعنكم كما قالوا في قوله تعالى: { ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مّن بَعْدِ مَا رَأَوُاْ ٱلآيَـٰتِ لَيَسْجُنُنَّهُ } [يوسف: 35] أي أن يسجنوه. وقيل إن جملة { لَيَجْمَعَنَّكُمْ } مسوقة للترهيب بعد الترغيب، وللوعيد بعد الوعد، أي إن أمهلكم برحمته فهو مجازيكم بجمعكم في معاقبة من يستحق عقوبته من العصاة، والضمير في { لاَ رَيْبَ فِيهِ } لليوم أو للجمع.

قوله: { ٱلَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ }. قال الزجاج: إن الموصول مرتفع على الابتداء وما بعده خبره كما تقول: الذي يكرمني فله درهم، فالفاء لتضمن المبتدأ معنى الشرط. وقال الأخفش: إن شئت كان { ٱلَّذِينَ } في موضع نصب على البدل من الكاف والميم في { لَيَجْمَعَنَّكُمْ } أي ليجمعنّ المشركين الذين خسروا أنفسهم، وأنكره المبرد، وزعم أنه خطأ، لأنه لا يبدل من المخاطب ولا من المخاطب. لا يقال: مررت بك زيد ولا مررت بي زيد. وقيل: يجوز أن يكون { ٱلَّذِينَ } مجروراً على البدل من المكذبين الذين تقدّم ذكرهم، أو على النعت لهم. وقيل: إنه منادى وحرف النداء مقدّر.

قوله: { وَلَهُ مَا سَكَنَ فِى ٱلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ } أي: لله، وخصّ الساكن بالذكر، لأن ما يتصف بالسكون أكثر مما يتصف بالحركة؛ وقيل المعنى: ما سكن فيهما أو تحرّك فاكتفى بأحد الضدّين عن الآخر، وهذا من جملة الاحتجاج على الكفرة.

قوله: { قُلْ أَغَيْرَ ٱللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيّاً } الاستفهام للإنكار، قال لهم ذلك لما دعوه إلى عبادة الأصنام، ولما كان الإنكار لاتخاذ غير الله ولياً، لا لاتخاذ الولي مطلقاً؛ دخلت الهمزة على المفعول لا على الفعل. والمراد بالوليّ هنا: المعبود أي كيف أتخذ غير الله معبوداً؟ و { فَاطِرَ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأرْضَ } مجرور على أنه نعت لاسم الله، وأجاز الأخفش الرفع على إضمار مبتدأ، وأجاز الزجاج النصب على المدح، وأجاز أبو عليّ الفارسي نصبه بفعل مضمر، كأنه قيل أترك فاطر السموات والأرض. قوله: { وَهُوَ يُطْعِمُ وَلاَ يُطْعَمُ } قرأ الجمهور بضم الياء وكسر العين في الأوّل، وضمها وفتح العين في الثاني، أي يرزق ولا يرزق، وقرأ سعيد بن جبير، ومجاهد، والأعمش بفتح الياء في الثاني وفتح العين، وقرىء بفتح الياء والعين في الأوّل، وضمها وكسر العين في الثاني على أن الضمير يعود إلى الوليّ المذكور، وخصّ الإطعام دون غيره من ضروب الإنعام؛ لأن الحاجة إليه أمسّ.

قوله: { قُلْ إِنّى أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ } أمره سبحانه بعد ما تقدّم من اتخاذ غير الله ولياً أن يقول لهم: إنه مأمور بأن يكون أوّل من أسلم وجهه لله من قومه، وأخلص من أمته؛ وقيل معنى { أَسْلَمَ } استسلم لأمر الله، ثم نهاه الله عزّ وجلّ أن يكون من المشركين. والمعنى: أمرت بأن أكون أوّل من أسلم ونهيت عن الشرك، أي يقول لهم هذا، ثم أمره أن يقول: { إِنّى أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبّى عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ } أي إن عصيته بعبادة غيره أو مخالفة أمره و نهيه. والخوف: توقع المكروه؛ وقيل: هو هنا بمعنى العلم، أي إني أعلم إن عصيت ربي أن لي عذاباً عظيماً.

قوله: { مَّن يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ } قرأ أهل المدينة وأهل مكة، وابن عامر، على البناء للمفعول، أي من يصرف عنه العذاب، واختار هذه القراءة سيبويه. وقرأ الكوفيون على البناء للفاعل، وهو اختيار أبي حاتم، فيكون الضمير على هذه القراءة لله. ومعنى { يَوْمَئِذٍ } يوم العذاب العظيم، { فَقَدْ رَحِمَهُ } الله أي نجاه وأنعم عليه وأدخله الجنة، والإشارة بذلك إلى الصرف أو إلى الرحمة، أي فذلك الصرف أو الرحمة { ٱلْفَوْزُ ٱلْمُبِينُ } أي الظاهر الواضح، وقرأ أبيّ { مَّن يُصْرَفْ عَنْه }.

قوله: { وَإِن يَمْسَسْكَ ٱللَّهُ بِضُرّ } أي إن ينزل الله بك ضراً من فقر أو مرض { فَلاَ كَـٰشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ } أي لا قادر على كشفه سواه { وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ } من رخاء أو عافية { فَهُوَ عَلَىٰ كُلّ شَىْء قَدُيرٌ } ومن جملة ذلك المسّ بالشرّ والخير. قوله: { وَهُوَ ٱلْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ } القهر: الغلبة، والقاهر: الغالب، وأقهر الرجل: إذا صار مقهوراً ذليلاً، ومنه قول الشاعر:

تمنى حصين أن يسود خزاعة فأمسى حصين قد أذلّ وأقهرا

ومعنى: { فَوْقَ عِبَادِهِ } فوقية الاستعلاء بالقهر والغلبة عليهم، لا فوقية المكان كما تقول: السلطان فوق رعيته، أي بالمنزلة والرفعة. وفي القهر معنى زائد ليس في القدرة، وهو منع غيره عن بلوغ المراد { وَهُوَ ٱلْحَكِيمُ } في أمره { ٱلْخَبِيرُ } بأفعال عباده. قوله: { قُلْ أَىُّ شَىْء أَكْبَرُ شَهَـٰدةً } أيّ مبتدأ، وأكبر خبره، وشهادة تمييز، والشيء يطلق على القديم والحادث، والمحال والممكن. والمعنى: أيّ شهيد أكبر شهادة، فوضع شيء موضع شهيد. وقيل: إن { شَىْء } هنا موضوع موضع اسم الله تعالى. والمعنى: الله أكبر شهادة، أي انفراده بالربوبية، وقيام البراهين على توحيده أكبر شهادة، وأعظم فهو شهيد بيني وبينكم. وقيل: إن قوله: { ٱللَّهِ شَهِيدٌ بِيْنِى وَبَيْنَكُمْ } هو الجواب، لأنه إذا كان الشهيد بينه وبينهم كان أكبر شهادة له صلى الله عليه وسلم. وقيل: إنه قد تمّ الجواب عند قوله: { قُلِ ٱللَّهُ } يعني الله أكبر شهادة، ثم ابتدأ فقال: { شَهِيدٌ بِيْنِى وَبَيْنَكُمْ } أي شهيد بيني وبينكم.

قوله: { وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنُ لأُنذِرَكُمْ بِهِ وَمَن بَلَغ } أي أوحى الله إليّ هذا القرآن الذي تلوته عليكم؛ لأجل أن أنذركم به، وأنذر به من بلغ إليه، أي كل من بلغ إليه من موجود ومعدوم سيوجد في الأزمنة المستقبلة، وفي هذه الآية من الدلالة على شمول أحكام القرآن لمن سيوجد، كشمولها لمن قد كان موجوداً وقت النزول، ما لا يحتاج معه إلى تلك الخزعبلات المذكورة في علم أصول الفقه، وقرأ أبو نهيك "وَأُوحِىَ" على البناء للفاعل، وقرأ ابن عدي على البناء للمفعول. قوله: { أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ ٱللَّهِ آلِهَةً أُخْرَىٰ } الاستفهام للتوبيخ والتقريع على قراءة من قرأ بهمزتين على الأصل أو بقلب الثانية، وأما من قرأ على الخبر فقد حقّق عليهم شركهم، وإنما قال: { آلِهَةً أُخْرَىٰ } لأن الآلهة جمع، والجمع يقع عليه التأنيث، كذا قال الفراء، ومثله قوله تعالى: { { وَللَّهِ ٱلأسْمَاء ٱلْحُسْنَىٰ } [الأعراف: 180] وقال: { فَمَا بَالُ ٱلْقُرُونِ ٱلاْولَىٰ } [طه: 51] { قُل لاَّ أَشْهَدُ } أي فأنا لا أشهد معكم فحذف لدلالة الكلام عليه، وذلك لكون هذه الشهادة باطلة، ومثله: { فَإِن شَهِدُواْ فَلاَ تَشْهَدْ مَعَهُمْ } [الأنعام: 150] و"ما" في { مّمَّا تُشْرِكُونَ } موصولة أو مصدرية، أي من الأصنام التي تجعلونها آلهة، أو من إشراككم بالله.

قوله: { ٱلَّذِينَ آتَيْنَـٰهُمُ ٱلْكِتَـٰبَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمْ } الكتاب للجنس فيشمل التوراة والإنجيل وغيرهما، أي يعرفون رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال به جماعة من السلف، وإليه ذهب الزجاج. وقيل إن الضمير يرجع إلى الكتاب، أي يعرفونه معرفة محققة، بحيث لا يلتبس عليهم منه شيء، و { كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمُ } بيان لتحقيق تلك المعرفة وكمالها وعدم وجود شك فيها، فإن معرفة الآباء للأبناء هي المبالغة إلى غاية الإتقان إجمالاً وتفصيلاً. قوله: { ٱلَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُم } في محل رفع على الابتداء، وخبره { فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ } ودخول الفاء في الخبر، لتضمن المبتدأ معنى الشرط. وقيل: إن الموصول خبر مبتدأ محذوف. وقيل: هو نعت للموصول الأوّل. وعلى الوجهين الأخيرين يكون { فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ } معطوفاً على جملة { ٱلَّذِينَ ءاتَيْنَـٰهُمُ ٱلْكِتَـٰبَ }. والمعنى على الوجه الأوّل: أن الكفار الخاسرين لأنفسهم بعنادهم وتمرّدهم لا يؤمنون بما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى الوجهين الأخيرين أن أولئك الذين آتاهم الله الكتاب هم الذين خسروا أنفسهم بسبب ما وقعوا فيه من البعد عن الحق، وعدم العمل بالمعرفة التي ثبتت لهم فهم لا يؤمنون.

قوله: { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً } أي اختلق على الله الكذب فقال: إن في التوراة و الإنجيل ما لم يكن فيهما { أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِه } التي يلزمه الإيمان بها من المعجزة الواضحة البينة، فجمع بين كونه كاذباً على الله، ومكذباً بما أمره الله بالإيمان به، ومن كان هكذا فلا أحد من عباد الله أظلم منه، والضمير في { إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ ٱلظَّـٰلِمُونَ } للشأن.

وقد أخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، عن سلمان الفارسيّ قال: إنا نجد في التوراة أن الله خلق السموات والأرض، ثم جعل مائة رحمة قبل أن يخلق الخلق، ثم خلق الخلق فوضع بينهم رحمة واحدة، وأمسك عنده تسعاً وتسعين رحمة، فبها يتراحمون، وبها يتعاطفون، وبها يتبادلون، وبها يتزاورون وبها تحنّ الناقة، وبها تنتج البقرة، وبها تيعر الشاة، وبها تتابع الطير، وبها تتابع الحيتان في البحر، فإذا كان يوم القيامة جمع تلك الرحمة إلى ما عنده، ورحمته أفضل وأوسع. وقد أخرج مسلم، وأحمد، وغيرهما، عن سلمان عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "خلق الله يوم خلق السموات والأرض مائة رحمة: منها رحمة يتراحم بها الخلق، وتسعة وتسعون ليوم القيامة، فإذا كان يوم القيامة أكملها بهذه الرحمة" وثبت في الصحيحين وغيرهما عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لما قضى الله الخلق كتب كتاباً فوضعه عنده فوق العرش: إن رحمتي سبقت غضبي" . وقد روي من طرق أخرى بنحو هذا.

وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، عن السديّ في قوله: { وَلَهُ مَا سَكَنَ فِى ٱلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ } يقول ما استقرّ في الليل والنهار، وفي قوله: { قُلْ أَغَيْرَ ٱللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيّاً } قال: أما الولي فالذي تولاه، ويقرّ له بالربوبية. وأخرج ابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، عن ابن عباس في قوله: { فَاطِرَ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأرْضَ } قال: بديع السموات والأرض. وأخرج أبو عبيد في فضائله وابن جرير، وابن الأنباري، عنه قال: كنت لا أدري ما فاطر السموات والأرض؟ حتى أتاني أعرابيان يختصمان في بئر فقال أحدهما: أنا فطرتها، يقول: أنا ابتدأتها.

وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، عن السديّ في قوله: { وَهُوَ يُطْعِمُ وَلاَ يُطْعَمُ } قال: يرزق ولا يرزق. وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير، وابن أبي حاتم، عن قتادة في قوله: { مَّن يُصْرَفْ عَنْهُ } قال: من يصرف عنه العذاب. وأخرج أبو الشيخ عن السديّ في قوله: { وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ } يقول: بعافية.

وأخرج ابن إسحاق، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ عن ابن عباس قال: جاء التمام بن زيد، وقردم بن كعب، وبحري بن عمرو فقالوا: يا محمد ما تعلم مع الله إلٰهاً غيره؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا إلٰه إلا الله، بذلك بعثت وإلى ذلك أدعو" ، فأنزل الله: { قُلْ أَىُّ شَىْء أَكْبَرُ شَهَـٰدةً } الآية. وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، والبيهقي في الأسماء والصفات عن مجاهد قال: أمر محمد صلى الله عليه وسلم أن يسأل قريشاً أيّ شيء أكبر شهادة؟ ثم أمره أن يخبرهم فيقول: الله شهيد بيني وبينكم.

وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والبيهقي في الأسماء والصفات، عن ابن عباس في قوله: { وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنُ لأُنذِرَكُمْ بِهِ } يعني أهل مكة { وَمَن بَلَغَ } يعني من بلغه هذا القرآن من الناس فهو له نذير. وأخرج أبو الشيخ، وابن مردويه، عن أنس قال: لما نزلت هذه الآية { وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنُ } كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى كسرى، وقيصر، والنجاشي، وكل جبار يدعوهم إلى الله عزّ وجل، وليس بالنجاشي الذي صلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم. وأخرج ابن مردويه، وأبو نعيم، والخطيب وابن النجار، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من بلغه القرآن فكأنما شافهته به" ، ثم قرأ، { وأوحي إليّ هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ }.

وأخرج ابن أبي شيبة، وابن الضريس، وابن جرير، وابن المنذر وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، عن محمد بن كعب القرظي قال: «من بلغه القرآن فكأنما رأى النبي صلى الله عليه وسلم. وفي لفظ من بلغه القرآن حتى تفهمه وتعقله كان كمن عاين رسول الله صلى الله عليه وسلم وكلمه. وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، والبيهقي في الأسماء والصفات، عن مجاهد في قوله: { وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنُ لأُنذِرَكُمْ بِه } قال: العرب { وَمَن بَلَغَ } قال: العجم. وأخرج ابن أبي حاتم، عن عكرمة قال: قال النضر وهو من بني عبد الدار: إذا كان يوم القيامة شفعت لي اللات والعزى، فأنزل الله: { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً } الآية.