التفاسير

< >
عرض

ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِم مُّوسَىٰ بِآيَٰتِنَآ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلإِيْهِ فَظَلَمُواْ بِهَا فَٱنْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلْمُفْسِدِينَ
١٠٣
وَقَالَ مُوسَىٰ يٰفِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ ٱلْعَالَمِينَ
١٠٤
حَقِيقٌ عَلَىٰ أَنْ لاَّ أَقُولَ عَلَى ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلْحَقَّ قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ
١٠٥
قَالَ إِن كُنتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِهَآ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّادِقِينَ
١٠٦
فَأَلْقَىٰ عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ
١٠٧
وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَآءُ لِلنَّاظِرِينَ
١٠٨
قَالَ ٱلْمَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَـٰذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ
١٠٩
يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُمْ مِّنْ أَرْضِكُمْ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ
١١٠
قَالُوۤاْ أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَأَرْسِلْ فِي ٱلْمَدَآئِنِ حَاشِرِينَ
١١١
يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ
١١٢
وَجَآءَ ٱلسَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالْوۤاْ إِنَّ لَنَا لأَجْراً إِن كُنَّا نَحْنُ ٱلْغَالِبِينَ
١١٣
قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ ٱلْمُقَرَّبِينَ
١١٤
قَالُواْ يٰمُوسَىٰ إِمَّآ أَن تُلْقِيَ وَإِمَّآ أَن نَّكُونَ نَحْنُ ٱلْمُلْقِينَ
١١٥
قَالَ أَلْقُوْاْ فَلَمَّآ أَلْقَوْاْ سَحَرُوۤاْ أَعْيُنَ ٱلنَّاسِ وَٱسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَآءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ
١١٦
وَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ
١١٧
فَوَقَعَ ٱلْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ
١١٨
فَغُلِبُواْ هُنَالِكَ وَٱنقَلَبُواْ صَاغِرِينَ
١١٩
وَأُلْقِيَ ٱلسَّحَرَةُ سَاجِدِينَ
١٢٠
قَالُوۤاْ آمَنَّا بِرَبِّ ٱلْعَالَمِينَ
١٢١
رَبِّ مُوسَىٰ وَهَارُونَ
١٢٢
-الأعراف

فتح القدير

قوله: { ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِم مُّوسَىٰ } أي من بعد نوح وهود وصالح ولوط وشعيب أي ثم أرسلنا موسى بعد إرسالنا لهؤلاء الرسل. وقيل: الضمير في { مّن بَعْدِهِمْ } راجع إلى الأمم السابقة، أي من بعد إهلاكهم { إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وملئه } فرعون هو لقب لكل من يملك أرض مصر بعد العمالقة. وملأ فرعون: أشراف قومه، وتخصيصهم بالذكر مع عموم الرسالة لهم ولغيرهم، لأن من عداهم كالأتباع لهم. قوله: { فَظَلَمُواْ بِهَا } أي كفروا بها. وأطلق الظلم على الكفر، لكون كفرهم بالآيات التي جاء بها موسى كان كفراً متبالغاً، لوجود ما يوجب الإيمان من المعجزات العظيمة التي جاءهم بها. والمراد بالآيات هنا: هي الآيات التسع. أو معنى: { فَظَلَمُواْ بِهَا } ظلموا الناس بسببها لما صدّوهم عن الإيمان بها، أو ظلموا أنفسهم بسببها { فَٱنظُرْ كَيْفَ كَانَ عَـٰقِبَةُ ٱلْمُفْسِدِينَ } أي المكذبين بالآيات الكافرين بها، وجعلهم مفسدين، لأن تكذيبهم وكفرهم من أقبح أنواع الفساد.

قوله: { وَقَالَ مُوسَىٰ يٰفِرْعَوْنُ إِنّى رَسُولٌ مِن رَّبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } أخبره بأنه مرسل من الله إليه، وجعل ذلك عنواناً لكلامه معه، لأن من كان مرسلاً من جهة من هو رب العالمين أجمعين، فهو حقيق بالقبول لما جاء به، كما يقول من أرسله الملك في حاجة إلى رعيته: أنا رسول الملك إليكم، ثم يحكي ما أرسل به فإن في ذلك من تربية المهابة، وإدخال الروعة، مالا يقادر قدره.

قوله: { حَقِيقٌ عَلَى أَن لا أَقُولَ عَلَى ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلْحَقَّ } قرىء "حقيق عليّ أن لا أقول" أي واجب عليّ، ولازم لي، أن لا أقول فيما أبلغكم عن الله إلا القول الحق، وقرىء { حَقِيقٌ عَلَى أَن لا أَقُولَ } بدون ضمير في "على"؛ قيل: في توجيهه إن "على" معنى الباء، أي حقيق بأن لا أقول. ويؤيده قراءة أبيّ والأعمش، فإنهما قرآ «حقيق بأن لا أقول». وقيل: إن { حَقِيقٌ } مضمن معنى حريص. وقيل: إنه لما كان لازماً للحق، كان الحق لازماً له. فقول الحق حقيق عليه، وهو حقيق على قول الحق. وقيل إنه أغرق في وصف نفسه في ذلك المقام، حتى جعل نفسه حقيقة على قول الحق، كأنه وجب على الحق أن يكون موسى هو قائله. وقرأ عبد الله بن مسعود «حقيق أن لا أقول» بإسقاط "على"، ومعناها واضح. ثم قال بعد هذا { قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيّنَةٍ مّن رَّبّكُمْ } أي بما يتبين به صدقي، وأني رسول من رب العالمين. وقد طوى هنا ذكر ما دار بينهما من المحاورة، كما في موضع آخر أنه قال فرعون: { { فَمَن رَّبُّكُمَا يٰمُوسَىٰ } [طه: 49]. ثم قال بعد جواب موسى { { وَمَا رَبُّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } [الشعراء: 23] الآيات الحاكية لما دار بينهما.

قوله: { فَأَرْسِلْ مَعِىَ بَنِى إِسْرٰءيلَ } أمره بأن يدع بني إسرائيل يذهبون معه، ويرجعون إلى أوطانهم، وهي الأرض المقدّسة. وقد كانوا باقين لديه مستعبدين ممنوعين من الرجوع إلى وطنهم، والفاء لترتيب ما بعدها على ما قبلها، فلما قال ذلك { قَالَ } له فرعون { إِن كُنتَ جِئْتَ بِآيةٍ } من عند الله كما تزعم { فَأْتِ بِهَا } حتى نشاهدها، وننظر فيها { إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّـٰدِقِينَ } في هذه الدعوى التي جئت بها.

قوله: { فَأَلْقَىٰ عَصَاهُ فَإِذَا هِىَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ } أي وضعها على الأرض فانقلبت ثعباناً، أي حية عظيمة من ذكور الحيات. ومعنى { مُّبِينٌ } أن كونها حية في تلك الحال أمر ظاهر واضح لا لبس فيه. { وَنَزَعَ يَدَهُ } أي أخرجها وأظهرها من جيبه، أو من تحت إبطه، وفي التنزيل: { { وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِى جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاء مِنْ غَيْرِ سُوء } [النمل: 12]. قوله: { فَإِذَا هِىَ بَيْضَاء لِلنَّـٰظِرِينَ } أي فإذا يده التي أخرجها بيضاء تتلألأ نوراً، يظهر لكل مبصر.

{ قَالَ ٱلْمَلأُ } أي الأشراف { مِن قَوْمِ فِرْعَونَ } لما شاهدوا انقلاب العصى حية، ومصير يده بيضاء من غير سوء { إِنَّ هَذَا } أي موسى { لَسَـٰحِرٌ عَلِيمٌ } أي كثير العلم بالسحر. ولا تنافي بين نسبة هذا القول إلى الملأ هنا، وإلى فرعون في سورة الشعراء، فكلهم قد قالوه، فكان ذلك مصححاً لنسبته إليهم تارة وإليه أخرى.

وجملة: { يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُم مّنْ أَرْضِكُمْ } وصف { لساحر }. والأرض المنسوبة إليهم هي أرض مصر. وهذا من كلام الملأ. وأما { فَمَاذَا تَأْمُرُونَ } فقيل: هو من كلام فرعون، قال للملأ لما قالوا بما تقدّم، أي بأي شيء تأمرونني. وقيل: هو من كلام الملأ، أي قالوا لفرعون، فبأي شيء تأمرنا، وخاطبوه بما تخاطب به الجماعة تعظيماً له، كما يخاطب الرؤساء أتباعهم. و"ما" في موضع نصب بالفعل الذي بعدها. ويجوز أن تكون "ذا" بمعنى الذي، كما ذكره النحاة في ماذا صنعت، وكون هذا من كلام فرعون هو الأولى، بدليل ما بعده، وهو: { قَالُواْ أَرْجِهْ وَأَخَاهُ } قال الملأ جواباً لكلام فرعون، حيث استشارهم وطلب ما عندهم من الرأي: { أرجه }، أي أخره وأخاه. يقال أرجأته وأرجيته: أخرته. قرأ عاصم والكسائي وحمزة وأهل المدينة «أرجه» بغير همز. وقرأ الباقون بالهمز. وقرأ أهل الكوفة إلا الكسائي "أرجه" بسكون الهاء. قال الفراء: هي لغة للعرب يقفون على الهاء في الوصل، وأنكر ذلك البصريون. وقيل معنى { أرجه } احبسه. وقيل هو من رجا يرجو، أي أطمعه ودعه يرجوك، حكاه النحاس عن محمد بن يزيد المبرد { وَأَرْسِلْ فِى ٱلْمَدَائِنِ حَـٰشِرِينَ } أي أرسل جماعة حاشرين في المدائن التي فيها السحرة، و{ حاشرين } مفعول { أرسل }. وقيل: هو منصوب على الحال. و{ يَأْتُوكَ } جواب الأمر، أي يأتوك هؤلاء الذين أرسلتهم { بِكُلّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ } أي بكل ماهر في السحر، كثير العلم بصناعته. قرأ أهل الكوفة إلا عاصم «سحار». وقرأ من عداهم { ساحر }.

قوله: { وَجَاء ٱلسَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ } في الكلام طيّ، أي فبعث في المدائن حاشرين، وجاء السحرة فرعون. قوله: { قَالْواْ إِنَّ لَنَا لأَجْرًا } أي فلما جاءوا فرعون قالوا له إن لنا لأجراً، والجملة استئنافية جواب سؤال مقدّر، كأنه قيل: أيّ شيء قالوا له لما جاءوه؟ والأجر الجائزة والجعل، ألزموا فرعون أن يجعل لهم جُعلاً، إن غلبوا موسى بسحرهم. قرأ نافع، وابن كثير { إن لنا } على الإخبار. وقرأ الباقون «أئن لنا» على الاستفهام. استفهموا فرعون عن الجعل الذي سيجعله لهم على الغلبة، ومعنى الاستفهام التقرير. وأما على القراءة الأولى، فكأنهم قاطعون بالجعل، وأنه لابدّ لهم منه، فأجابهم فرعون بقوله: { نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ ٱلْمُقَرَّبِينَ } أي إن تلكم لأجراً، وإنكم مع هذا الأجر المطلوب منكم لمن المقرّبين لدينا.

قوله: { قَالُواْ يا مُوسَىٰ إَمَا أَن تُلْقِىَ وَإِمَّا أَن نَّكُونَ نَحْنُ ٱلْمُلْقِينَ } هذه الجملة مستأنفة جواب سؤال مقدّر، كأنه قيل: فما قالوا لموسى بعد أن قال لهم فرعون { نعم وإنكم لمن المقرّبين }. والمعنى: أنهم خيروا موسى بين أن يبتدىء بإلقاء ما يلقيه عليهم، أو يبتدئوه هم بذلك تأدّباً معه، وثقة من أنفسهم بأنهم غالبون، وإن تأخروا، و"أن" في موضع نصب، قاله الكسائي والفراء، أي إما أن تفعل الإلقاء أو نفعله نحن. فأجابهم موسى بقوله: { أَلْقَوْاْ } اختار أن يكونوا المتقدّمين عليه بإلقاء ما يلقونه غير مبال بهم، ولا هائب لما جاءوا به. قال الفراء: في الكلام حذف. المعنى: قال لهم موسى إنكم لم تغلبوا ربكم، ولن تبطلوا آياته. وقيل هو تهديد، أي ابتدئوا بالإلقاء فستنظرون ما يحل بكم من الافتضاح. والموجب لهذين التأويلين عند من قال بهما أنه لا يجوز على موسى أن يأمرهم بالسحر { فَلَمَّا أَلْقُوْاْ } أي حبالهم وعصيهم { سَحَرُواْ أَعْيُنَ ٱلنَّاسِ } أي قلبوها وغيروها عن صحة إدراكها بما جاءوا به من التمويه والتخييل الذي يفعله المشعوذون وأهل الخفة { وَٱسْتَرْهَبُوهُمْ } أي أدخلوا الرهبة في قلوبهم إدخالاً شديداً { وَجَاءوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ } في أعين الناظرين لما جاءوا به، وإن كان لا حقيقة له في الواقع.

قوله: { وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ } أمره الله سبحانه، عند أن جاء السحرة بما جاءوا به من السحر، أن يلقي عصاه { فَإِذَا هِىَ } أي العصا { تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ } قرأ حفص { تَلْقَفْ } بإسكان اللام، وتخفيف القاف من لقف يلقف. وقرأ الباقون بفتح اللام، وتشديد القاف من تلقف يتلقف، يقال لقفت الشيء وتلقفته: إذا أخذته أو بلعته. قال أبو حاتم: وبلغني في بعض القراءات "تلقم" بالميم والتشديد، قال الشاعر:

أنت عصا موسى التي لم تزل تلقم ما يأفكه الساحر

و«ما» في { مَا يَأْفِكُونَ } مصدرية أو موصولة، أي إفكهم أو ما يأفكونه، سماه إفكاً، لأنه لا حقيقة له في الواقع، بل هو كذب وزور وتمويه وشعوذة { فَوَقَعَ ٱلْحَقُّ } أي ظهر وتبين لما جاء به موسى { وَبَطَلَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } من سحرهم، أي تبين بطلانه { فَغُلِبُواْ } أي السحرة { هُنَالِكَ } أي في الموقف الذي أظهروا فيه سحرهم { وَٱنقَلَبُواْ } من ذلك الموقف { صَـٰغِرِينَ } أذلاء مقهورين { وَأُلْقِىَ ٱلسَّحَرَةُ سَـٰجِدِينَ } أي خروا ساجدين، كأنما ألقاهم ملق على هيئة السجود، أو لم يتمالكوا مما رأوا، فكأنهم ألقوا أنفسهم، وجملة { قَالُواْ ءامَنَّا بِرَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ رَبّ مُوسَىٰ وَهَـٰرُونَ } مستأنفة جواب سؤال مقدّر، كأنه قيل: ماذا قالوا عند سجودهم أوفي سجودهم؟ وإنما قالوا هذه المقالة وصرّحوا بأنهم آمنوا بربّ العالمين، ثم لم يكتفوا بذلك حتى قالوا: { ربّ موسى وهارون } لئلا يتوهم متوهم من قوم فرعون المقرّين بإلهيته، أن السجود له.

وقد أخرج أبو الشيخ، عن ابن عباس، في قوله: { ثُمَّ بَعَثْنَا مُوسَىٰ } قال: إنما سمي موسى، لأنه ألقى بين ماء وشجر، فالماء بالقبطية: مو والشجر: سي. وأخرج ابن أبي حاتم، عن مجاهد أن فرعون كان فارسياً من أهل إصطخر. وأخرج أيضاً عن ابن لهيعة، أنه كان من أبناء مصر. وأخرج أيضاً وأبو الشيخ، عن محمد بن المنكدر قال: عاش فرعون ثلثمائة سنة. وأخرج ابن أبي حاتم، عن عليّ بن أبي طلحة، أن فرعون كان قبطياً ولد زنا طوله سبعة أشبار. وأخرج أيضاً عن الحسن قال: كان علجاً من همذان. وأخرج أبو الشيخ، عن إبراهيم بن مقسم الهذلي، قال: مكث فرعون أربعمائة سنة لم يصدع له رأس.

وأخرج عبد بن حميد، وأبو الشيخ، عن قتادة، في قوله: { فَأَلْقَىٰ عَصَاهُ } قال: ذكر لنا أن تلك العصا عصا آدم، أعطاه إياها ملك حين توجه إلى مدين، فكانت تضيء بالليل، ويضرب بها الأرض بالنهار، فتخرج له رزقه ويهشّ بها على غنمه { فَإِذَا هِىَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ } قال: حية تكاد تساوره. وأخرج ابن أبي حاتم، على ابن عباس، قال: لقد دخل موسى على فرعون وعليه زرمانقة من صوف ما تجاوز مرفقيه، فاستأذن على فرعون فقال: أدخلوه، فدخل فقال: إن إلهي أرسلني إليك، فقال للقوم حوله: { { ما علمت لكم من إله غيري } [القصص: 38]، خذوه. قال إني قد جئتك بآية، قال: فائت بها إن كنت من الصادقين، فألقى عصاه، فصارت ثعباناً بين لحييه، ما بين السقف إلى الأرض، وأدخل يده في جيبه، فأخرجها مثل البرق تلتمع الأبصار، فخروا على وجوههم، وأخذ موسى عصاه ثم خرج، ليس أحد من الناس إلا نفر منه. فلما أفاق وذهب عن فرعون الروع قال للملأ حوله: ماذا تأمروني؟ { قَالُواْ أَرْجِهْ وَأَخَاه } ولا تأتنا به ولا يقربنا { وَأَرْسِلْ فِى ٱلْمَدَائِنِ حَـٰشِرِينَ } وكانت السحرة يخشون من فرعون، فلما أرسل إليهم قالوا: قد احتاج إليكم إلهكم؟ قال: إن هذا فعل كذا وكذا. قالوا: إن هذا ساحر سحر { إِنَّ لَنَا لأَجْرًا إِن كُنَّا نَحْنُ ٱلْغَـٰلِبِينَ قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ ٱلْمُقَرَّبِينَ }.

وأخرج ابن أبي حاتم، عنه، قال: عصى موسى اسمها ماشا. وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ من طرق، عنه، في قوله: { فَإِذَا هِىَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ } قال: الحية الذكر. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، عن السديّ، في قوله: { فَإِذَا هِىَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ } قال: الذكر من الحيات، فاتحة فمها، واضعة لحيها الأسفل في الأرض، والأعلى على سور القصر، ثم توجهت نحو فرعون لتأخذه، فلما رآها ذُعِر منها ووثب فأحدث، ولم يكن يحدث قبل ذلك، فصاح يا موسى خذها وأنا أؤمن بربك وأرسل معك بني إسرائيل، فأخذها موسى فصارت عصا.

وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، عن ابن عباس، في قوله: { أَرْجِهْ } قال: أخره. وأخرج عبد بن حميد، عن قتادة، قال: احبسه وأخاه. وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، عن ابن عباس من طرق في قوله: { وَأَرْسِلْ فِى ٱلْمَدَائِنِ حَـٰشِرِينَ } قال: الشُّرَط. وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، عنه، في قوله: { وَجَاء ٱلسَّحَرَةُ } قال: كانوا سبعين رجلاً أصبحوا سحرة، وأمسوا شهداء.

وقد اختلفت كلمة السلف في عددهم؛ فقيل: كانوا سبعين كما قال ابن عباس. وقيل كانوا اثني عشر. وقيل: خمسة عشر ألفاً. وقيل: سبعة عشر ألفاً. وقيل: تسعة عشر ألفاً. وقيل: ثلاثين ألفاً. وقيل: سبعين ألفاً. وقيل: ثمانين ألفاً. وقيل ثلثمائة ألف. وقيل تسعمائة ألف.

وأخرج عبد بن حميد، وابن أبي حاتم، عن قتادة، في قوله: { إِنَّ لَنَا لأَجْرًا } أي عطاء. وأخرج ابن جرير، عن ابن عباس، في قوله: { فَلَمَّا أَلْقُوْاْ } قال: ألقوا حبالاً غلاظاً وخشباً طوالاً، فأقبلت يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى.

وأخرج ابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، عن السديّ قال: ألقى موسى عصاه فأكلت كل حية لهم، فلما رأوا ذلك سجدوا. وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، عن قتادة، نحوه.

وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن المنذر عن مجاهد، في قوله: { تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ } قال: ما يكذبون. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ عن الحسن في قوله: { تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ } قال: تسترط حبالهم وعصيهم. وأخرج ابن جرير، وأبو الشيخ، عن ابن مسعود، وناس من الصحابة قال: التقى موسى وأمير السحرة، فقال له موسى: أرأيتك إن غلبتك أتؤمن بي؟ وتشهد أن ما جئت به حق؟ فقال الساحر: لآتينّ غداً بسحر لا يغلبه سحر. فو الله لئن غلبتني لأمننّ بك، ولأشهدنّ أنه حق، وفرعون ينظر إليهما وهو قول فرعون { { إِنَّ هَـٰذَا لَمَكْرٌ مَّكَرْتُمُوهُ فِى ٱلْمَدِينَةِ } [الأعراف: 123]. وأخرج ابن أبي حاتم، عن الأوزاعي قال: لما خرّ السحرة سجداً رفعت لهم الجنة حتى نظروا إليها.