التفاسير

< >
عرض

وَمِنْهُمُ ٱلَّذِينَ يُؤْذُونَ ٱلنَّبِيَّ وَيِقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَّكُمْ يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ آمَنُواْ مِنكُمْ وَٱلَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ ٱللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ
٦١
يَحْلِفُونَ بِٱللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَٱللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ إِن كَانُواْ مُؤْمِنِينَ
٦٢
أَلَمْ يَعْلَمُوۤاْ أَنَّهُ مَن يُحَادِدِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِداً فِيهَا ذٰلِكَ ٱلْخِزْيُ ٱلْعَظِيمُ
٦٣
يَحْذَرُ ٱلْمُنَافِقُونَ أَن تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِم قُلِ ٱسْتَهْزِءُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ مُخْرِجٌ مَّا تَحْذَرُونَ
٦٤
وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِٱللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِءُونَ
٦٥
لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِن نَّعْفُ عَن طَآئِفَةٍ مِّنْكُمْ نُعَذِّبْ طَآئِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ
٦٦
-التوبة

فتح القدير

.

قوله: { وَمِنْهُمُ } هذا نوع آخر بما حكاه الله من فضائح المنافقين وقبائحهم، وذلك أنهم كانوا يقولون للنبيّ صلى الله عليه وسلم، على وجه الطعن والذم { هو أذن }. قال الجوهري: يقال: رجل أذن: إذا كان يسمع مقال كل أحد، يستوي فيه الواحد والجمع ومرادهم، أقمأهم الله، أنهم إذا آذوا النبيّ وبسطوا فيه ألسنهم. وبلغه ذلك اعتذروا له، وقبل ذلك منهم، لأنه يسمع كل ما يقال له، فيصدّقه، وإنما أطلقت العرب على من يسمع ما يقال له فيصدّقه أنه أذن مبالغة، لأنهم سموه بالجارحة التي هي آلة السماع، حتى كأن جملته أذن سامعة، ونظيره قولهم: للربيئة عين، وإيذاؤهم له هو قولهم: { هُوَ أُذُنٌ } لأنهم نسبوه إلى أنه يصدّق كل ما يقال له، ولا يفرق بين الصحيح والباطل، اغتراراً منهم بحلمه عنهم، وصفحه عن جناياتهم كرماً وحلماً وتغاضياً، ثم أجاب الله عن قولهم هذا، فقال: { قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَّكُمْ } بالإضافة على قراءة الجمهور. وقرأ الحسن بالتنوين، وكذا قرأ عاصم في رواية أبي بكر عنه، كأنه قيل: نعم هو أذن، ولكن نعم الأذن هو، لكونه أذن خير لكم، وليس بأذن في غير ذلك. كقولهم رجل صدق، يريدون الجودة والصلاح. والمعنى أنه يسمع الخير ولا يسمع الشرّ. وقرىء «أذن» بسكون الذال وضمها. ثم فسر كونه أذن خير بقوله: { يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ } أي: يصدّق بالله ويصدّق المؤمنين لما علم فيهم من خلوص الإيمان. فتكون اللام في { لِلْمُؤْمِنِينَ } للتقوية، كما قال الكوفيون، أو متعلقة بمصدر محذوف، كما قال المبرد. وقرأ الجمهور { وَرَحْمَةً } بالرفع عطف على أذن. وقرأ حمزة بالخفض عطفاً على خير. والمعنى على القراءة الأولى: هو أنه أذن خير، وأنه هو رحمة للمؤمنين، وعلى القراءة الثانية: أنه أذن خير وأذن رحمة. قال النحاس: وهذا عند أهل العربية بعيد، يعني: قراءة الجر لأنه قد تباعد بين الاسمين، وهذا يقبح في المخفوض. والمعنى: أن النبيّ صلى الله عليه وسلم أذن خير للمنافقين { وَرَحْمَةً } لهم حيث لم يكشف أسرارهم ولا فضحهم، فكأنه قال: هو أذن كما قلتم لكنه أذن خير لكم لا أذن سوء، فسلم لهم قولهم فيه إلا أنه فسرّه بما هو مدح له وثناء عليه، وإن كانوا قصدوا به المذمة والتقصير بفطنته. ومعنى { لّلَّذِينَ ءامَنُواْ مِنكُمْ } أي: الذين أظهروا الإيمان وإن لم يكونوا مؤمنين حقيقة { وَٱلَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ ٱللَّهِ } بما تقدّم من قولهم: هو أذن، ونحو ذلك مما يصدق عليه أنه أذية لرسول الله صلى الله عليه وسلم { لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } أي: شديد الألم. وقرأ ابن أبي عبلة «ورحمة للمؤمنين» بالنصب على أنها علة لمعلل محذوف: أي ورحمة لكم يأذن لكم.

ثم ذكر أن من قبائح المنافقين إقدامهم على الإيمان الكاذبة، فقال: { يَحْلِفُونَ بِٱللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ } والخطاب للمؤمنين. وذلك أن المنافقين كانوا في خلواتهم يطعنون على المؤمنين، وعلى النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا بلغ ذلك إلى رسول الله وإلى المؤمنين جاء المنافقون فحلفوا على أنهم لم يقولوا ما بلغ عنهم قاصدين بهذه الأيمان الكاذبة: أن يرضوا رسول الله ومن معه من المؤمنين، فنعى الله ذلك عليهم. وقال: { وَٱللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ } أي: هما أحق بذلك من إرضاء المؤمنين بالإيمان الكاذبة، فإنهم لو اتقوا الله وآمنوا به وتركوا النفاق لكان ذلك أولى لهم، وإفراد الضمير في { يرضوه } إما للتعظيم للجناب الإلهيّ بإفراده بالذكر، أو لكونه لا فرق بين إرضاء الله وإرضاء رسوله. فإرضاء الله إرضاء لرسوله؛ أو المراد: الله أحق أن يرضوه ورسوله كذلك، كما قال سيبويه، ورجحه النحاس، أو لأن الضمير موضوع موضع اسم الإشارة؛ فإنه يشار به إلى الواحد والمتعدّد، أو الضمير راجع إلى المذكور، وهو يصدق عليهما. وقال الفراء: المعنى: ورسوله أحق أن يرضوه. { والله } افتتاح كلام، كما تقول: ما شاء الله وشئت، وهذه الجملة أعني: { وَٱللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ } في محل نصب على الحال، وجواب { إِن كَانُواْ مُؤْمِنِينَ } محذوف: أي إن كانوا مؤمنين فليرضوا الله ورسوله.

قوله: { أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّهُ مَن يُحَادِدِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ }. قرأ الحسن، وابن هرمز، "ألم تعلموا" بالفوقية. وقرأ الباقون بالتحتية: والمحاددة: وقوع هذا في حد. وذلك في حد كالمشاققة: يقال حادّ فلان فلاناً: أي صار في حدّ غير حده { فإنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ } قرأ الجمهور بفتح الهمزة على أنه خبر مبتدأ محذوف، أي فحق أن له نار جهنم. وقال الخليل وسيبويه: إن «أن» الثانية مبدلة من الأولى، وزعم المبرد أن هذا القول مردود، وأن الصحيح ما قال الجرمي أن الثانية مكرّرة للتوكيد لما طال الكلام. وقال الأخفش: المعنى: فوجوب النار له، وأنكره المبرد وقال: هذا خطأ من أجل أن «أن» المفتوحة المشدّدة لا يبتدأ بها ويضمر الخبر. وقرىء بكسر الهمزة. قال سيبويه، وهي قراءة جيدة، وأنشد:

وإني إذا ملت ركابي مناخها فإني على حظي من الأمر جامح

وانتصاب { خالداً } على الحال. والإشارة بقوله: { ذٰلِكَ } إلى ما ذكر من العذاب، وهو مبتدأ وخبره { ٱلْخِزْىُ ٱلْعَظِيمُ } أي: الخزي البالغ إلى الغاية التي لا يبلغ إليها غيره، وهو الذلّ والهوان.

قوله: { يَحْذَرُ ٱلْمُنَـٰفِقُونَ أَن تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ } قيل: هو خبر وليس بأمر. وقال الزجاج: معناه: ليحذر. فالمعنى على القول الأوّل: أن المنافقين كانوا يحذرون نزول القرآن فيهم. وعلى الثاني: الأمر لهم بأن يحذروا ذلك، و{ أن تنزل } في موضع نصب: أي من أن تنزل، ويجوز على قول سيبويه أن يكون في موضع خفض على تقدير "من" وإعمالها. ويجوز أن يكون النصب على المفعولية. وقد أجاز سيبويه: حذرت زيداً، وأنشد:

حذر أموراً لا تضير وآمن ما ليس ينجيه من الأقدار

ومنع من النصب على المفعولية المبرد. ومعنى: { عَلَيْهِمْ } أي: على المؤمنين في شأن المنافقين، على أن الضمير للمؤمنين، والأولى أن يكون الضمير للمنافقين: أي في شأنهم { تُنَبّئُهُمْ } أي: المنافقين { بِمَا فِي قُلُوبِهِم } مما يسرّونه فضلاً عما يظهرونه، وهم وإن كانوا عالمين بما في قلوبهم، فالمراد من إنباء السورة لهم إطلاعهم على أن المؤمنين قد علموا بما في قلوبهم، ثم أمر الله رسوله بأن يجيب عليهم، فقال: { قُلِ ٱسْتَهْزِءواْ إِنَّ ٱللَّهَ مُخْرِجٌ مَّا تَحْذَرُونَ } هو أمر تهديد: أي افعلوا الاستهزاء، إن الله مخرج ما تحذرون من ظهوره حتى يطلع عليه المؤمنون، إما بإنزال سورة، أو بإخبار رسوله بذلك أو نحو ذلك.

قوله: { وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ } أي: لئن سألتهم عما قالوه من الطعن في الدين، وثلب المؤمنين بعد أن يبلغ إليك ذلك، ويطلعك الله عليه، ليقولنّ إنما كنا نخوض ونلعب، ولم نكن في شيء من أمرك ولا أمر المؤمنين. ثم أمره الله أن يجيب عنهم فقال: { قُلْ أَبِٱللَّهِ وَءايَـٰتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِءونَ } والاستفهام: للتقريع والتوبيخ، وأثبت وقوع ذلك منهم، ولم يعبأ بإنكارهم، لأنهم كانوا كاذبين في الإنكار، بل جعلهم كالمعترفين بوقوع ذلك منهم حيث جعل المستهزأ به، والباء لحرف النفي، فإن ذلك إنما يكون بعد وقوع الاستهزاء وثبوته، ثم قال: { لاَ تَعْتَذِرُواْ } نهياً لهم عن الاشتغال بالاعتذارات الباطنة، فإن ذلك غير مقبول منهم. وقد نقل الواحدي عن أئمة اللغة: أن معنى الاعتذار: محو أثر الذنب وقطعه، من قولهم: اعتذر المنزل: إذا درس، واعتذرت المياه: إذا انقطعت { قَدْ كَفَرْتُمْ } أي أظهرتم الكفر بما وقع منكم من الاستهزاء المذكور { بَعْدَ إِيمَـٰنِكُمْ } أي بعد إظهاركم الإيمان، مع كونكم تبطنون الكفر { إِن نَّعْفُ عَن طَائِفَةٍ مّنْكُمْ } وهم من أخلص الإيمان، وترك النفاق، وتاب عنه. قال الزجاج: الطائفة في اللغة: الجماعة. قال ابن الأنباري: ويطلق لفظ الجمع على الواحد عند العرب { نُعَذّبْ طَائِفَةً } بـسبب { أَنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ } مصرّين على النفاق، لم يتوبوا منه. قرىء { نعذب } بالنون وبالتاء الفوقية على البناء للمفعول وبالتحتية على البناء للفاعل، وهو الله سبحانه.

وقد أخرج ابن إسحاق، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، عن ابن عباس، قال: كان نبتل بن الحارث يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيجلس إليه فيسمع منه، ثم ينقل حديثه إلى المنافقين، وهو الذي قال لهم: إنما محمد أذن، من حدثه بشيء صدقه، فأنزل الله فيه: { وَمِنْهُمُ ٱلَّذِينَ يُؤْذُونَ ٱلنَّبِىَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ } الآية. وأخرج ابن أبي حاتم، عن السديّ، قال: اجتمع ناس من المنافقين فيهم: جلاس بن سويد ابن صامت، ومخشي بن حمير، ووديعة بن ثابت، فأرادوا أن يقعوا في النبيّ صلى الله عليه وسلم، فنهى بعضهم بعضاً وقالوا: إنا نخاف أن يبلغ محمداً فيقع بكم، فقال بعضهم: إنما محمد أذن نحلف له فيصدقنا، فنزل: { وَمِنْهُمُ ٱلَّذِينَ يُؤْذُونَ ٱلنَّبِىَّ } الآية. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، عن ابن عباس، في قوله: { هُوَ أُذُنٌ } يعني: أنه يسمع من كل أحد. قال الله تعالى: { أُذُنُ خَيْرٍ لَّكُمْ يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ } يعني: يصدّق بالله ويصدّق المؤمنين. وأخرج الطبراني، وابن عساكر، وابن مردويه، عن عمير بن سعد، قال: فيّ أنزلت هذه الآية { وَيَقُولُونَ هُمْ أَذِنَ } وذلك أن عمير بن سعد كان يسمع أحاديث أهل المدينة، فيأتي النبي صلى الله عليه وسلم، فيسارّه حتى كانوا يتأذون بعمير بن سعد، وكرهوا مجالسته، وقال: { هو أذن } فأنزلت فيه.

وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم، عن قتادة، قال: ذكر لنا أن رجلاً من المنافقين قال: والله إن هؤلاء لخيارنا وأشرافنا، ولئن كان ما يقول محمد حقاً لهم شرّ من الحمير، فسمعها رجل من المسلمين فقال: والله إن ما يقول محمد لحق ولأنت شرّ من الحمار، فسعى بها الرجل إلى نبيّ الله صلى الله عليه وسلم فأخبره، فأرسل إلى الرجل فدعاه فقال: "ما حملك على الذي قلت؟" فجعل يلتعن ويحلف بالله ما قال ذلك، وجعل الرجل المسلم يقول: اللهم صدق الصادق، وكذب الكاذب، فأنزل الله في ذلك:{ يَحْلِفُونَ بِٱللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ } الآية. وأخرج ابن أبي حاتم، عن السديّ مثله، وسمى الرجل المسلم عامر بن قيس من الأنصار.

وأخرج أبو الشيخ، عن الضحاك { أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّهُ مَن يُحَادِدِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ } يقول: يعادي الله ورسوله. وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، عن مجاهد، في قوله: { يَحْذَرُ ٱلْمُنَـٰفِقُونَ } الآية قال: يقولون القول فيما بينهم، ثم يقولون عسى الله أن لا يفشى علينا هذا. وأخرج أبو نعيم في الحلية، عن شريح بن عبيد، أن رجلاً قال لأبي الدرداء: يا معشر القراء ما بالكم أجبن منا وأبخل إذا سئلتم، وأعظم لقماً إذا أكلتم؟ فأعرض عنه أبو الدرداء ولم يردّ عليه بشيء، فأخبر بذلك عمر بن الخطاب، فانطلق عمر إلى الرجل الذي قال ذلك، فقال بثوبه وخنقه وقاده إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم، فقال الرجل: إنما كنا نخوض ونلعب، فأوحى الله نبيه صلى الله عليه وسلم: { وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ }. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، وابن مردويه، عن عبد الله بن عمر، قال: قال رجل في غزوة تبوك في مجلس يوماً: ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء، لا أرغب بطوناً ولا أكذب ألسنة، ولا أجبن عند اللقاء، فقال رجل في المجلس: كذبت ولكنك منافق، لأخبرنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونزل القرآن. قال عبد الله: فأنا رأيته متعلقاً بحقب ناقة رسول الله، والحجارة تنكبه وهو يقول: يا رسول الله، إنما كنا نخوض ونلعب، والنبيّ صلى الله عليه وسلم يقول: { أَبِٱللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِءُونَ }. وأخرجه ابن المنذر، وابن أبي حاتم، والعقيلي في الضعفاء، وأبو الشيخ، وابن مردويه، والخطيب، في رواية مالك عن ابن عمر، فقال: رأيت عبد الله بن أبيّ وهو يشتد قدّام النبي صلى الله عليه وسلم والأحجار تنكبه وهو يقول: يا محمد إنما كنا نخوض ونلعب، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: { أَبِٱللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِءُونَ }. وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، عن قتادة، في الآية قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة إلى تبوك وبين يديه أناس من المنافقين، فقالوا: أيرجو هذا الرجل أن تفتح له قصور الشام وحصونها؟ هيهات هيهات، فأطلع الله نبيه على ذلك، فقال نبيّ الله صلى الله عليه وسلم: "احبسوا على هؤلاء الركب" ، فأتاهم فقال: "قلتم كذا" ، قالوا: يا نبيّ الله، إنما كنا نخوض ونلعب، فأنزل الله فيهم ما تسمعون. وقد روي نحو هذا من طرق عن جماعة من الصحابة. وأخرج ابن أبي حاتم، عن ابن عباس، في قوله: { إِن نَّعْفُ عَن طَائِفَةٍ } قال: الطائفة: الرجل والنفر.