التفاسير

< >
عرض

سَيَقُولُ ٱلسُّفَهَآءُ مِنَ ٱلنَّاسِ مَا وَلَّٰهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ ٱلَّتِي كَانُواْ عَلَيْهَا قُل للَّهِ ٱلْمَشْرِقُ وَٱلْمَغْرِبُ يَهْدِي مَن يَشَآءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ
١٤٢
وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِ وَيَكُونَ ٱلرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً وَمَا جَعَلْنَا ٱلْقِبْلَةَ ٱلَّتِي كُنتَ عَلَيْهَآ إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ ٱلرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى ٱلَّذِينَ هَدَى ٱللَّهُ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ بِٱلنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ
١٤٣
-البقرة

أيسر التفاسير

شرح الكلمات:
السفهاء: جمع سفيه وهو من به ضعف عقلي لتقليده وإعراضه عن النظر نجم عنه فساد خُلُقٍ وسوء سلوك.
ما ولاَّهم: ما صرفهم عن استقبال بيت المقدس إلى استقبال الكعبة بمكة.
القبلة: الجهة التي يستقبلها المرء وتكون قبالته في صلاته.
أمةً وسطاً: وسط كل شيء خياره، والمراد منه أن أمة محمد صلى الله عليه وسلم خير الأمم وأعدلها.
ينقلب على عقبيه: يرجع إلى الكفر بعد الإِيمان.
لكبيرةً: شاقة على النفس صعبة لا تطاق إلا بجهد كبير وهي التحويلة من قبلة مألوفة إلى قبلة حديثة.
إيمانكم: صلاتكم التي صليتموها إلى بيت المقدس قبل التحول إلى الكعبة.
رؤوف رحيم: يدفع الضرر عنكم ويفيض الإِحسان عليكم.
معنى الآيتين:
يخبر الله تعالى بأمر يعلمه قبل وقوعه، وحكمة الإِخبار به قبل وقوعه تخفيف أثره على نفوس المؤمنين إذ يفقد نقدهُم المرير عنصر المفاجأة فيه فلا تضطرب له نفوس المؤمنين.
فقاله تعالى: { سَيَقُولُ ٱلسُّفَهَآءُ مِنَ ٱلنَّاسِ مَا وَلَّٰهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ ٱلَّتِي كَانُواْ عَلَيْهَا؟ } وحصل هذا لما حوّل الله تعالى رسوله والمؤمنين من استقبال بيت المقدس في الصلاة إلى الكعبة تحقيقاً لرغبة رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك ولعلة الاختبار التي تضمنتها الآية التالية فأخبر تعالى بما سيقوله السفهاء من اليهود والمنافقين والمشركين وعلَّم المؤمنين كيف يردون على السفهاء، فقال: قل لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم فلا اعتراض عليه يوجه عباده حيث يشاء، ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.
وفي الآية الثانية [143] يقول تعالى: { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً } خياراً عدولاً أي كما هديناكم إلى أفضل قبلة وهي الكعبة قبلة إبراهيم عليه السلام جعلناكم خير أمة وأعدلها فأهلناكم بذلك للشهادة على الأمم يوم القيامة إذا أنكروا أن رسلهم قد بلغتهم رسالات ربهم، وأنتم لذلك لا تشهد عليكم الأمم ولكن يشهد عليكم رسولكم وفي هذا من التكريم والإِنعام ما الله به عليم، ثم ذكر تعالى العلة في تحويل القبلة فقال: { وَمَا جَعَلْنَا ٱلْقِبْلَةَ ٱلَّتِي كُنتَ عَلَيْهَآ إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ ٱلرَّسُولَ } فثبت على إيمانه وطاعته وانقياده لله ولرسوله ممن يؤثر فيه نقد السفهاء فتضطرب نفسه ويجاري السفهاء فيهلك بالردة معهم. ثم أخبر تعالى أن هذه التحويلة من بيت المقدس إلى الكعبة شاقة عل النفس إلا على الذين هداهم الله إلى معرفته ومعرفة محابه ومكارهه فهم لذلك لا يجدون أي صعوبة في الانتقال من طاعة إلى طاعة ومن قبلة إلى قبلة، مادام ربهم قد أحب ذلك وأمر به.
وأخيراً طمأنهم تعالى على أجور صلاتهم التي صلوها إلى بيت المقدس وهي صلاة قرابة سبعة عشر شهراً بأنه لا يُضيعها لهم بل يجزيهم بها كاملة سواء من مات منهم وهو يصلي إلى بيت المقدس أو من حَييَ حَتَّى صلى إلى الكعبة وهذا مظهر من مظاهر رأفته تعالى بعباده ورحمته.
هداية الآيتين:
من هداية الآيتين:
1- جواز النسخ في الإِسلام فهذا نسخ إلى بدل من الصلاة إلى بيت المقدس إلى الصلاة إلى الكعبة في مكة المكرمة.
2- الأراجيف وافتعال الأزمات وتهويل الأمور شأن الكفار إزاء المسلمين طوال الحياة فعلى المؤمنين أن يثبتوا ولا يتزعزعوا حتى يَظْهَر الباطلُ وَيَنْكَشِفَ الزيفُ وتنتهَي الفتنة.
3- أفضلية أمة الإِسلام على سائر الأمم لكونها أمة الوسط والوسطية شعارها.
4- جَوَازُ امْتِحَانِ المؤمن وجريانه عليه.
5- صحة صلاة من صلى إلى غير القبلة وهو لا يعلم ذلك وله أجرها وليس عليه إعادتها ولو صلى شهوراً إلى غير القبلة ما دام قد اجتهد في معرفة القبلة ثم صلى إلى حيث أدّاه اجتهاده.