التفاسير

< >
عرض

إِنَّ ٱلَّذِينَ جَآءُوا بِٱلإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنْكُمْ لاَ تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَّكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلِّ ٱمْرِىءٍ مِّنْهُمْ مَّا ٱكْتَسَبَ مِنَ ٱلإِثْمِ وَٱلَّذِي تَوَلَّىٰ كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ
١١
لَّوْلاۤ إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ ٱلْمُؤْمِنُونَ وَٱلْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً وَقَالُواْ هَـٰذَآ إِفْكٌ مُّبِينٌ
١٢
لَّوْلاَ جَآءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَآءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُواْ بِالشُّهَدَآءِ فَأُوْلَـٰئِكَ عِندَ ٱللَّهِ هُمُ ٱلْكَاذِبُونَ
١٣
وَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَآ أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ
١٤
إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَّا لَّيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِندَ ٱللَّهِ عَظِيمٌ
١٥
وَلَوْلاۤ إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَّا يَكُونُ لَنَآ أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَـٰذَا سُبْحَانَكَ هَـٰذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ
١٦
يَعِظُكُمُ ٱللَّهُ أَن تَعُودُواْ لِمِثْلِهِ أَبَداً إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ
١٧
وَيُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمُ ٱلآيَاتِ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ
١٨
-النور

أيسر التفاسير

شرح الكلمات:
بالإِفك عصبة: الإِفك الكذب المقلوب وهو أسوأ الكذب، والعصبة الجماعة.
شراً لكم بل هو خير لكم: الشر ما غلب ضرره على نفعه، والخير ما غلب نفعه على ضرره، والشر المحض النار يوم القيامة والخير المحض الجنة دار الأبرار.
والذي تولى كبره: أي معظمه وهو ابن أبي كبير المنافقين.
لولا: أداة تحضيض وحث بمعنى هَلاّ.
فيما أفضتم فيه: أي فيما تحدثتم بتوسع وعدم تحفظ.
إذ تلقونه: أي تتلقونه أي يتلقاه بعضكم من بعض.
وتحسبونه هيناً: أي من صغائر الذنوب وهو عند الله من كبائرها لأنه عرض مؤمنة هي زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم.
سبحانك: كلمة تقال عند التعجب والمراد بها تنزيه الله تعالى عما لا يليق به.
بهتان عظيم: البهتان الكذب الذي يحيّر من قيل فيه.
يعظكم الله: أي ينهاكم نهياً مقروناً بالوعيد حتى لا تعودوا لمثله أبداً.
معنى الآيات:
بعد أن ذكر تعالى حكم القذف العام والخاص ذكر حادثة الإِفك التي هلك فيها خلق لا يحصون عداً إذا طائفة الشيعة الروافض ما زالوا يهلكون فيها جيلاً بعد جيل إلى اليوم إذ وَرَّثَ فيهم رؤوساء الفتنة الذين اقتطعوا من الإِسلام وأمته جزءاً كبيراً سموه شيعة آل البيت تضليلاً وتغريراً فأخرجوهم من الإِسلام باسم الإِسلام وأوردهم النار باسم الخوف من النار فكذبوا الله ورسوله وسبوا زوج رسول الله واتهموها بالفاحشة وأهانوا أباها ولوثوا شرف زوجها صلى الله عليه وسلم بنسبة زوجه إلى الفاحشة.
وخلاصة الحادثة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن فرض الحجاب على النساء المؤمنات خرج إلى غزوة تدعى غزوة بني المصطلق أو المريسيع، ولما كان عائداً منها وقارب المدينة النبوية نزل ليلاً وارتحل، ولما كان الرجال يرحلون النساء على الهوادج وجدوا هودج عائشة رضي الله عنها فظنوها فيه فوضعوه على البعير وساقوه ضمن الجيش ظانين أن عائشة فيه، وما هي فيه، لأنها ذكرت عقداً لها قد سقط منها في مكان تبرزت فيه فعادت تلتمس عقدها فوجدت الجيش قد رحل فجلست في مكانها لعلهم إذا افتقدوها رجعوا إليها وما زالت جالسة تنظر حتى جاء صفوان بن معطل السلمي رضي الله عنه وكان الرسول صلى الله عليه وسلم قد عينه في الساقة وهم جماعة يمشون وراء الجيش بعيداً عنه حتى إذا تأخر شخص أو ترك متاع أو ضاع شيء يأخذونه ويصلون به إلى المعسكر فنظر فرآها من بعيد فأخذ يسترجع أي يقول إنا لله وإنا إليه راجعون آسفاً لتخلف عائشة عن الركب قالت رضي الله عنها فتجلببت بثيابي وغطيت وجهي وجاء فأناخ راحلته فركبتها وقادها بي حتى انتهينا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المعسكر، وما إن رآني ابن أبي لعنة الله عليه حتى قال والله ما نجت منه ولا نجا منها، وروج للفتنة فاستجاب له ثلاثة أنفار فرددوا ما قال وهم حسان بن ثابت ومسطح بن أثاثة، وحمنة بنت جحش، { وَٱلَّذِي تَوَلَّىٰ كِبْرَهُ } هو ابن أبي المنافق وتورط آخرون ولكن هؤلاء الأربعة هم الذين أشاعوا وراجت الفتنة في المدينة واضطربت لها نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم ونفوس أصحابه وآل بيته فأنزل الله هذه الآيات في براءة أم المرمنين عائشة رضي الله عنها وبراءة صفوان رضي الله عنه، ومن خلال شرح الآيات تتضح جوانب القصة.
قال تعالى: { إِنَّ ٱلَّذِينَ جَآءُوا بِٱلإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنْكُمْ } أي إن الذين جاءوا بهذا الكذب المقلوب إذ المفروض أن يكون الطهر والعفاف لكل من أم المؤمنين وصفوان بدل الرمي بالفاحشة القبيحة فقلبوا القضية فلذا كان كذبهم إفكاً وقوله: { عُصْبَةٌ } أي جماعة لا يقل عادة عدده على عشرة أنفار إلا أن الذين روجوا الفتنة وتورطوا فيها حقيقة وأقيم عليهم الحد أربعة ابن أبي وهو الذي تولى كبره منهم وتوعده الله بالعذاب العظيم لأنه منافق كافر مات على كفره ونفاقه، ومسطح بن أثاثة، وحمنة بنت جحش أخت أم المؤمنين زينب رضي الله عنها وحسان بن ثابت رضي الله عنه، وقوله تعالى: { لاَ تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَّكُمْ } لما نالكم من هم وغم وكرب من جرائه { بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ } لما كان له من العاقبة الحسنة وما نالكم من الأجر العظيم من أجل عظم المصاب وشدة الفتنة وقوله تعالى: { لِكُلِّ ٱمْرِىءٍ مِّنْهُمْ مَّا ٱكْتَسَبَ مِنَ ٱلإِثْمِ } على قدر ما قال وروج وسيجزي به إن لم يتب الله تعالى عليه ويعفو عنه.
وقوله: { وَٱلَّذِي تَوَلَّىٰ كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ } وهو عبد الله بن أبي بن سلول رئيس المنافقين عليه لعنة الله.
وقوله تعالى: { لَّوْلاۤ إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ ٱلْمُؤْمِنُونَ وَٱلْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً وَقَالُواْ هَـٰذَآ إِفْكٌ مُّبِينٌ } هذا شروع في عتاب القوم وتأديبهم وتعليم المسلمين وتربيتهم فقال عز وجل: { لَّوْلاۤ } أي هلا وهي للحض والحث على فعل الشيء إذ سمعتم قول الإِفك ظننتم بأنفسكم خيراً إذ المؤمنون والمؤمنات كنفس واحدة، وقلتم لن يكون هذا وإنما هو إفك مبين أي ظاهر لا يقبل ولا يقر عليه هكذا كان الواجب عليكم ولكنكم ما فعلتم.
وقوله تعالى: { لَّوْلاَ جَآءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَآءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُواْ بِالشُّهَدَآءِ فَأُوْلَـٰئِكَ عِندَ ٱللَّهِ هُمُ ٱلْكَاذِبُونَ } أي كان المفروض فيكم أيها المؤمنون أنكم تقولون هذا لمن جاء بالإفك فإنهم لا يأتون بشاهد فضلاً عن أربعة وبذلك تسجلون عليهم لعنة الكذب في حكم الله. وقوله تعالى: { وَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَآ أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ } هذه منة من الله تحمل أيضاً عتاباً واضحاً إذ بولوغكم في عرض أم المؤمنين، وما كان لكم أن تفعلوا ذلك قد استوجبتم العذاب لولا فضل الله عليكم ورحمته لمسكم العذاب العظيم. وقوله: { إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ } أي يتلقاه بعضكم من بعض، { وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَّا لَّيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ } وهذا عتاب وتأديب. وقوله: { وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً } أي ليس بذنب كبير ولا تبعة فيه { وَهُوَ عِندَ ٱللَّهِ عَظِيمٌ }، وكيف وهو يمس عرض رسول الله وعائشة والصديق وآل البيت آجمعين.
وقوله تعالى: { وَلَوْلاۤ إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَّا يَكُونُ لَنَآ أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَـٰذَا } إذ هذه مما لا يصح لمؤمن أن يقول فيه لخطره وعظم شأنه، وقلتم متعجبين من مثله كيف يقع { سُبْحَانَكَ } أي يا رب { هَـٰذَا } أي الإِفك { بُهْتَانٌ عَظِيمٌ } بهتوا به أم المؤمنين وصفوان.
وقوله: { يَعِظُكُمُ ٱللَّهُ } أي ينهاكم الله مخوفاً لكم بذكر العقوبة الشديدة { أَن تَعُودُواْ لِمِثْلِهِ أَبَداً } أي طول الحياة فأياكم إياكم إن كنتم مؤمنين حقاً وصدقاً فلا تعودوا لمثله أبداً، وقوله: { وَيُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمُ ٱلآيَاتِ } التي تحمل الهدى والنور لترشدوا وتكملوا والله عليم بخلقه وأعمالهم وأحوالهم حكيم فيما يشرع لهم من أمر ونهي.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
1- قضاء الله تعالى للمؤمن كله خير له.
2- بشاعة الإِفك وعظيم جرمه.
3- العقوبة على قدر الجرم كبراً وصغراً قلة وكثرة.
4- واجب المؤمن أن لا يصدق من يرمي مؤمناً بفاحشة، وأن يقول له هل تستطيع أن تأتي بأربعة شهداء على قولك فإن قال لا قال له إذاً أنت عند الله من الكاذبين.
5- حرمة القول بدون علم والخوض في ذلك.