التفاسير

< >
عرض

ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِّن بَعْدِ ٱلْغَمِّ أَمَنَةً نُّعَاساً يَغْشَىٰ طَآئِفَةً مِّنْكُمْ وَطَآئِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِٱللَّهِ غَيْرَ ٱلْحَقِّ ظَنَّ ٱلْجَٰهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَل لَّنَا مِنَ ٱلأَمْرِ مِن شَيْءٍ قُلْ إِنَّ ٱلأَمْرَ كُلَّهُ للَّهِ يُخْفُونَ فِيۤ أَنْفُسِهِم مَّا لاَ يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ ٱلأَمْرِ شَيْءٌ مَّا قُتِلْنَا هَٰهُنَا قُل لَّوْ كُنتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ ٱلَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ ٱلْقَتْلُ إِلَىٰ مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ ٱللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ
١٥٤
إِنَّ ٱلَّذِينَ تَوَلَّوْاْ مِنكُمْ يَوْمَ ٱلْتَقَى ٱلْجَمْعَانِ إِنَّمَا ٱسْتَزَلَّهُمُ ٱلشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُواْ وَلَقَدْ عَفَا ٱللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ
١٥٥
-آل عمران

أيسر التفاسير

شرح الكلمات:
أمنة نعاسا: الأمنة: الأمن، والنعاس: استرخاء يصيب الجسم قبل النوم.
يغشى طائفة منكم: يُصيب المؤمنين ليستريحوا ولا يصيب المنافقين.
أهمتهم أنفسهم: أي لا يفكرون إلا في نجاة أنفسهم غير مكترثين بما أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه.
ظن الجاهلية: هو اعتقادهم أن النبيّ قتل أو أنه لا ينصر.
هل لنا من الأمر: أي ما لنا من الأمر من شيء.
ما لا يبدون لك: أي مالا يظهرون لك.
لبرز الذين: لخرجوا من المدينة ظاهرين ليلقوا مصارعهم هناك.
كتب عليهم القتل: يريد كتب في كتاب المقادير أي اللوح المحفوظ.
مضاجعهم: جمع مضجع وهو مكان النوم والاضطجاع والمراد المكان الذي صرعوا فيه قتلى.
ليبتلي: ليختبر.
وليمحص: التمحيص: التمييز وهو إظهار شيء من شيء كإظهار الإِيمان من النفاق، والحب من الكره.
استزلهم الشيطان: أوقعهم في الزلل وهو الخطيئة والتي كانت الفرار من الجهاد.
معنى الآيتين:
ما زال السياق في الحديث عن غزوة أحد فأخبر تعالى في الآية الأولى [154] عن أمور عظام الأول أنه تعالى بعد الغم الذي أصاب به المؤمنين أنزل على أهل اليقين خاصة أمناً كاملا فذهب الخوف عنهم حتى أن أحدهم لينام والسيف في يده فيسقط من يده ثم يتناوله قال تعالى: { ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِّن بَعْدِ ٱلْغَمِّ أَمَنَةً نُّعَاساً يَغْشَىٰ طَآئِفَةً مِّنْكُمْ } والثاني أن أهل الشك والنفاق حرمهم الله تعالى من تلك الأمنة فما زال الخوف يقطع قلوبهم والغم يُسَيْطر على نفوسهم وهم لا يفكرون إلا في أنفسهم كيف ينجون من الموت وهم المعنيون بقوله تعالى { وَطَآئِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ } والثالث أن الله تعالى قد كشف عن سرائرهم فقال يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية، والمراد من ظنهم بالله غير الحق ظن المشركين أنهم يعتقدون أن الإِسلام باطل وأن محمداً ليس رسولاً، وأن المؤمنين سينهزمون ويموتون وينتهي الإسلام ومن يدعوا إليه. والرابع أن الله تعالى قد كشف سرهم فقال عنهم: { يَقُولُونَ هَل لَّنَا مِنَ ٱلأَمْرِ مِن شَيْءٍ } هذا القول قالوه سراً فيما بينهم، ومعناه ليس لنا من الأمر من شيء ولو كان لنا ما خرجنا ولا قاتلنا ولا أصابنا الذي أصابنا فأطلعه الله تعالى سرهم وقال له: رد عليهم بقولك: إن الأمر كله لله. ثم هتك تعالى مرة أخرى سترهم وكشف سرهم فقال: يخفون في أنفسهم ما لا يبدون لك أي يخفون في أنفسهم من الكفر والبغض والعداء لك ولأصحابك ما لا يظهرونه لك. والرابع لما تحدث المنافقون في سرهم وقالوا لو كان لنا من الأمر من شيء ما قتلنا ها هنا: يريدون لو كان الأمر بأيديهم ما خرجوا لقتال المشركين لأنهم إخوانهم في الشرك والكفر، ولا قتلوا مع من قتل في أحد فأمر الله تعالى رسوله أن يرد عليهم بقوله: قل لو كنتم في بيوتكم بالمدينة لبرز أي ظهر الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم وصرعوا فيها وماتوا، لأن ما قدره الله نافذ على كل حال، ولا حذر مع القدر. ولا بد أن يتم خروجكم إلى أحد بتدبير الله تعالى لبتلي الله أي يمتحن ما في صدوركم ويميز ما في قلوبكم فيظهر ما كان غيباً لا يعلمه إلا هو إلى عالم المشاهدة ليعلمه ويراه على حقيقته رسوله والمؤمنون، وهذا لعلم الله تعالى بذات الصدور. هذا معنى قوله تعالى: { قُل لَّوْ كُنتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ ٱلَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ ٱلْقَتْلُ إِلَىٰ مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ ٱللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ }.
هذا ما تضمنته الآية الأولى أما الآية الثانية [155] فقد تضمنت إخبار الله تعالى عن حقيقة واحدة ينبغي أن تعلم وهي أن الذين فرّوا من المعركة لما اشتد القتال وعظم الكرب الشطيان هو الذي أوقعهم في هذه الزلة وهي توليّهم عن القتال بسبب بعض الذنوب كانت لهم، ولذا عفا الله عنهم ولم يؤاخذهم بهذه الزلة، وذلك لأن الله غفور حليم فلذا يمهل عبده حتى يتوب فيتوب عليه ويغفر له ولو لم يكن حليما لكان يؤاخذ لأول الذنب والزلة فلا يمكن أحداً من التوبة والنجاة. هذا معنى قوله تعالى: { إِنَّ ٱلَّذِينَ تَوَلَّوْاْ مِنكُمْ } أي عن القتال، يوم التقى الجمعان أي جمع المؤمنين وجمع الكافرين بأحد. إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا، ولقد عفا الله عنهم فلم يؤاخذهم إن الله غفور حليم.
هداية الآيتين
من هداية الآيتين:
1- إكرام الله تعالى لأوليائه بالأمان الذي أنزله في قلوبهم.
2- إهانة الله تعالى لأعدائه بحرمانهم مما أكرم به أولياءه وهم في مكان واحد.
3- تقرير مبدأ القضاء والقدر، وأن من كتب موته في مكان لا بد وأن يموت فيه.
4- أفعال الله تعالى لا تخلو أبداً من حكم عالية فيجب التسليم لله تعالى والرضا بأفعاله في خلقه.
5- الذنب يولد الذنب، والسيئة تتولد عنها سيئة أخرى فلذا وجبت التوبة من الذنب فوراً.