التفاسير

< >
عرض

يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ آذَوْاْ مُوسَىٰ فَبرَّأَهُ ٱللَّهُ مِمَّا قَالُواْ وَكَانَ عِندَ ٱللَّهِ وَجِيهاً
٦٩
يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً
٧٠
يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً
٧١
إِنَّا عَرَضْنَا ٱلأَمَانَةَ عَلَى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَٱلْجِبَالِ فَأبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا ٱلإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً
٧٢
لِّيُعَذِّبَ ٱللَّهُ ٱلْمُنَافِقِينَ وَٱلْمُنَافِقَاتِ وَٱلْمُشْرِكِينَ وَٱلْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ ٱللَّهُ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً
٧٣
-الأحزاب

أيسر التفاسير

شرح الكلمات:
يا أيها الذين آمنوا: أي يا من صدقوا بالله ورسوله ولقاء الله وما جاء به رسول الله.
لا تكونوا كالذين آذوا موسى: أي لا تكونوا مع نبيكم كما كان بنو إسرائيل مع موسى إذ آذوه بقولهم إنه ما يمنعه من الاغتسال معنا إلا أنه آدر.
فبرأه الله مما قالوا: أي أراهم أنه لم يكن به أدرة وهي انتفاخ إحدى الخصيتين.
وكان عند الله وجيهاً: أي ذا جاهٍ عظيم عند الله فلا يُخيِّبُ له مسعىً ولا يرد له مطلباً.
وقولوا قولا سديداً: أي صدقاً صائباً.
يصلح لكم أعمالكم: أي الدينيَّة والدنيوية إذْ على الصدق والموافقة للشرع نجاح الأعمال والفوز بثمارها.
فقد فاز فوزاً عظيماً: أي نال غاية مطلوبة وهو النجاة من النار ودخول الجنة.
إنا عرضنا الأمانة: أي ما ائتمن عليه الإِنسان من سائر التكاليف الشرعية وما ائتمنه عليه أخوه من حفظ مال أو قول أو عرض أو عمل.
فأبين أن يحملنها وأشفقن منها: أي رفضن الالتزام بها وخفن عاقبة تضييعها.
وحملها الإِنسان: أي آدم وذريَّته.
إنه كان ظلوما جهولاً: أي لأنه كان ظلوماً أي كثير الظلم لنفسه جهولاً بالعواقب.
ليعذب الله المنافقين: أي وتحملها الإِنسان قضاء وقدراً ليرتب الله تعالى على ذلك عذاب المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات ويتوب على المؤمنين والمؤمنات فيغفر لهم ويرحمهم وكان الله غفوراً رحيماً.
معنى الآيات:
قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى ينادي الله تعالى مؤمني هذه الأُمة ناهياً لهم عن أذى نبيّهم بأدنى أذى، وأن لا يكونوا كبني إسرائيل الذين آذوا موسى في غير موطن ومن ذلك ما ذكره صلى الله عليه وسلم عنه في قوله من رواية مسلم أن بني إسرائيل كانوا يغتسلون عراة ينظر بعضهم إلى بعض، وكان موسى يغتسل وحده فقالوا: ما منعه أن يغتسل معنا إلا أنه آدر، فذهب يوماً يغتسل فوضع ثوبه على حجر وأخذ يغتسل وإذا بالحجر يهرب بالثوب فيجري موسى وراءه حتى وقف به على جمع من بني إسرائيل فرأوا أنه ليس به أُدره ولا برص كما قالوا فهذا معنى فبرَّأه الله مما قالوا، وكان عند الله وجيهاً أي ذا جاه عظيم.
ومما حصل لرسول الله صلى الله عليه وسلم من أذى أذاه في إتهام زوجه بالفاحشة من قبل أصحاب الإِفك وقول بعضهم له وقد قسم مالاً هذه قسمة ما أُريد به وجه الله.
وقول بعضهم اعدل فينا يا رسول الله فقال له ويحك إذا لم أعدل أنا فمن يعدل؟
وكان يقول يرحم الله موسى لقد أوذي بأكثر من هذا فصبر!! هذا ما دلت عليه الآية الأولى [69] اما الآية الثانية [70] فقد نادى تعالى عباده المؤمنين الذين نهاهم عن أذيِّة نبيهم وأن لا يكونوا في ذلك كقوم موسى بن عمران ناداهم ليأمرهم بأمرين الأول بتقواه عز وجل إذ قال { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } أي صدقوا الله ورسوله. { ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } أي خافوا عقابه. فأدوا فرائضه واجتنبوا محارمه. والثاني بالتزام القول الحق الصائب السديد، ورتَّب على الأمرين صلاح أعمالهم ومغفرة ذنوبهم إذ قول الحق والتزام الصدق مما يجعل الأقوال والأعمال مثمرة نافعة، فتثمر زكاة النفس وطهارة الروح. ثم أخبرهم مبشراً إِياهم بقوله: { وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ } في الأمر والنهي فقد فاز فوزاً عظيماً وهي سعادة الدارين: النجاة من كل مخوف والظفر بكل محبوب مرغوب ومن ذلك النجاة من النار ودخول الجنة. هذا ما تضمنه قوله تعالى { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً } وقوله تعالى: { إِنَّا عَرَضْنَا ٱلأَمَانَةَ } يخبر تعالى منبهاً محذراً فيقول: { إِنَّا عَرَضْنَا ٱلأَمَانَةَ } وهي شاملة للتكاليف الشرعية كلها ولكل ما أئتمن عليه الإِنسان من شيء يحفظه لمن ائتمنه عليه حتى يرده إليه عرض الأمانة على السماوات والأرض والجبال بعد أن خلق لها عقلاً ونطقاً ففهمت الخطاب وردت الجواب فأبت تحملها بثوابها واشفقت وخافت من تبعتها، وعرضت على الإِنسان آدم فحملها بتبعتها من ثواب وعقاب لأنه كان ظلوماً لنفسه يوردها موارد السوء جهولاً بعواقب الأمور. هذا ما دلت عليه الآية الرابعة [72] وهي قوله تعالى إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبَيْنَ أن يحملنها وأشفقن منها، وحملها الإِنسان إنه كان ظلوماً جهولاً. وقوله تعالى: { لِّيُعَذِّبَ ٱللَّهُ ٱلْمُنَافِقِينَ وَٱلْمُنَافِقَاتِ وَٱلْمُشْرِكِينَ وَٱلْمُشْرِكَاتِ } أي بتبعة النفاق والشرك، ويتوب الله على المؤمنين والمؤمنات أي تَمَّ عرضُ الأمانة وقبولُ آدم لها ليؤول الأمر إلى أن يكفر بعض أفراد الإِنسان فيعذبوا بكفرهم الذي نجم عن تضييع الأمانة، ويؤمن بعض آخر فيفرط بعض التفريط ويتوب فيتوب الله عليه فيغفر له ويدخله الجنة وكان الله غفوراً رحيماً ومن آثار ذلك أن تاب الله على المؤمنين والمؤمنات وغفر لهم ورحمهم بإدخالهم الجنة فسبحان الله المدبر الحكيم.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
1- وجوب تقوى الله عز وجل بفعل الأوامر واجتناب المناهي.
2- صلاح الأعمال لتثمر للعاملين الزكاة للنفس، وطيب الحياة متوقف على التزام الصدق في القول والعمل وهو القول السديد المنافي للكذب والانحراف في القول والعمل.
3- طاعة الله ورسوله سبيل الفوز والفلاح في الدارين.
4- وجوب رعاية الأمانة وأدائها، ولم يخل أحد من أمانة.
5- وصف الإِنسان بالظلم والجهل وبالكفر والمهانة والضعف في آيات أخرى يستلزم طلب علاج لهذه الصفات. وعلاجها جاء مبيناً في سورة المعارج في قوله
{ { إِلاَّ ٱلْمُصَلِّينَ } [المعارج: 22] إلى قوله { { وَالَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلاَتِهِمْ يُحَافِظُونَ } [المعارج: 34].