التفاسير

< >
عرض

وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَٱتَّبَعُوهُ إِلاَّ فَرِيقاً مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ
٢٠
وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يُؤْمِنُ بِٱلآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفُيظٌ
٢١
قُلِ ٱدْعُواْ ٱلَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ لاَ يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَلاَ فِي ٱلأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِن شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِّن ظَهِيرٍ
٢٢
وَلاَ تَنفَعُ ٱلشَّفَاعَةُ عِندَهُ إِلاَّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّىٰ إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ قَالُواْ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُواْ ٱلْحَقَّ وَهُوَ ٱلْعَلِيُّ ٱلْكَبِيرُ
٢٣
-سبأ

أيسر التفاسير

شرح الكلمات:
ولقد صدق عليهم إبليس ظنه: أي صدَقَ ظن إبليس فيهم أنه يستطيع إغواءهم.
فاتبعوه: في الكفر والضلال والإِضلال.
إلا فريقا منهم: أي من بني آدم وهم المؤمنون المسلمون فإنهم لم يتبعوه وخاب ظنه فيهم زاده الله خيبة إلى يوم القيامة.
وما كان له عليهم من سلطان: أي ولم يكن لإِبليس من تسليط منا عليهم لا بعصا ولا سيف وإنما هو التزيين والإِغراء بالشهوات.
إلا لنعلم من يؤمن بالآخرة ممن هو منها في شك: أي لكن أذنَّا له في إغوائهم - إن استطاع - بالتزيين والإِغراء لنعلم علم ظهور من يؤمن ويعمل صالحاً ممن يكفر ويعمل سوءاً.
وربك على كل شيء حفيظ: أي وربك يا محمد على كل شيء حفيظ وسيجزى الناس بما كسبوا.
قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله: أي أنهم شركاء لله في ألوهيته.
لا يملكون مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض: أي ملكاً استقلالياً لا يشاركهم الله فيه.
وما لهم فيها من شرك: أي وليس لهم من شركة في السماوات ولا في الأرض.
وما له منهم من ظهير: أي وليس لله تعالى من شركائكم الذين تدعونهم من معين على شيء.
ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له: أي ولا تنفع الشفاعة أحداً عنده حتى يأذن هو له بها.
حتى إذا فزع عن قلوبهم: أي ذهب الفزع والخوف عنهم بسماع كلم الرب تعالى.
قالوا: ماذا قال ربكم؟: أي قال بعضهم لبعض استبشاراً ماذا قال ربكم؟ قالوا الحق أي في الشفاعة.
وهو العليُّ الكبير: العلي فوق كل شيء علوّ ذات وقهر وهو الكبير المتعالي الذي كل شيء دونه.
معنى الآيات:
لما ذكر تعالى ما حدث لسبأ من تقلبات وكان عامل ذلك هو تزيين الشيطان وإغواؤه أخبر تعالى عن حال الناس كل الناس فقال { وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ } أي فيهم لما علم ضعفهم أمام الشهوات فاستعمل تزيينها كسلاح لحربهم { فَٱتَّبَعُوهُ } فيما دعاهم إليه من الشرك والإِسراف والمعاصي { إِلاَّ فَرِيقاً مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } وهم المؤمنون الصادقون في إيمانهم الذين أسلموا لله وجوههم وهم عباد الله الذين ليس للشيطان عليهم سبيل لإِغوائهم فإنهم لم يتبعوه. هذا ما دلت عليه الآية [20] وقوله تعالى: { وَمَا كَانَ لَهُ } أي للشيطان { عَلَيْهِمْ مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يُؤْمِنُ بِٱلآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ } أي قوة مادية ولا معنوية من حجج وبراهين، وإنما أذن له في التحريش والوسواس والتزيين وهذا الإِذن لعلة وهي ظهور حال الناس ليعلم من يؤمن بالآخرة وما فيها من جنات ونيران، وقد حفت الجنة بالمكاره والنار بالشهوات فالمؤمنون بالآخرة يتحملون مشاق التكاليف فينهضون بها ويتجنبون الشهوات فينجون من النار ويدخلون الجنة، والذين لا يؤمنون بالآخرة لا ينهضون بواجب ولا يتجنبون حراماً فيخسرون أنفسهم وأهليهم يوم القيامة وذلك هو الخسران المبين. وقوله تعالى { وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفُيظٌ } فهو يحصي أعمال عباده من خير وشر ويحاسبهم عليها ويجزيهم بها.
وقوله تعالى: { قُلِ ٱدْعُواْ ٱلَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ } أي قل يا رسولنا بعد هذا العرض والبيان الشافي الذي تقدم في هذا السياق للمشركين من قومك ما دمتم مصرين على الشرك بحجة أن شركاءكم ينفعُون ويضرون وأنهم يشفعون لكم يوم تبعثون ادعوهم غير أن الحقيقة التي يجب أن تسمعوها وتعلموها - وأنتم بعد ذلك وما ترون وتهوون - هي أن الذين تدعونهم من دون الله وجعلتموهم لله شركاء لا يملكون مثقال ذرة أي وزن ذرة في السماوات ولا في الأرض لا يملكونها استقلالا ولا يملكونها شركة مع الله المالك الحق، وهو معنى قوله تعالى { قُلِ ٱدْعُواْ ٱلَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ لاَ يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَلاَ فِي ٱلأَرْضِ } { وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا } أي في السماوات والأرض من شرك بمعنى شركة ولو بأدْنى نسبة. وشيء آخر وهو أن شركاءكم الذين تدعونهم ليس لله تعالى منهم من ظهير أي معين حتى لا يقال بحكم حاجة الرب إليه ندعوه فيشفع لنا عنده، وشيء آخر وهو أن الشفاعة عند الله لا تتم لأحد ولا تحصل له إلا إذا رضي الله تعالى بالشفاعة لمن أريد الشفاعة له، وبعد أن يأذن أيضا لمن أراد أن يشفع. فلم يبق إذاً أي طمع في شفاعة آلهتكم لكم لا في الدنيا ولا في الآخرة إذاً فكيف تصح عبادتهم وهم لا يملكون مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض ولا يشفعون لأحد في الدنيا ولا الآخرة. وقوله تعالى { حَتَّىٰ إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ } إلى آخره بيان لكيفية الشفاعة يوم القيامة وهي أن الشافع المأذون له في الشفاعة عندما يسأل الله تعالى فيجيبه الرب تعالى فيصاب بخوف وفزع شديد { حَتَّىٰ إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ } أي زال ذلك الفزع والخوف قالوا لبعضهم البعض ماذا قال ربكم؟ فيقولون مستبشرين قالوا: الحق أي أذن لنا في الشفاعة وهو العليّ الكبير أي العلي فوق خلقه بذاته وقهره وسلطانه الكبير الذي ليس كمثله شيءٌ سبحانه لا إله إلا هو ولا ربّ سواه.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
1- بيان أن إبليس صدق ظنه في بني آدم وأنهم سيتبعونه ويغويهم.
2- تقرير التوحيد وأنه لا إله إلا الله ولا يستحق العبادة سواه.
3- بيان بطلان دعاء غير الله إذ المدعو كائنا من كان لا يملك مثقال ذرة في الكون لا بالاستقلال ولا بالشركة، وليس لله تعالى من ظهير أي ولا معينين يمكن التوسل بهم، وأخيراً والشفاعة لا تتم إلا بإِذنه ولمن رضي له بها. ولذلك بطل دعاء غير الله ومن دعا غير الله من ملك أو نبي أو وليَّ أو غيرهم فقد ضل الطريق وأشرك بالله في أعظم عبادة وهي الدعاء، والعياذ بالله تعالى.