التفاسير

< >
عرض

وَمَا يَسْتَوِي ٱلْبَحْرَانِ هَـٰذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَآئِغٌ شَرَابُهُ وَهَـٰذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِن كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيّاً وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى ٱلْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ
١٢
يُولِجُ ٱلْلَّيْلَ فِي ٱلنَّهَارِ وَيُولِجُ ٱلنَّهَارَ فِي ٱلْلَّيْلِ وَسَخَّرَ ٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّى ذَلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ ٱلْمُلْكُ وَٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ
١٣
إِن تَدْعُوهُمْ لاَ يَسْمَعُواْ دُعَآءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُواْ مَا ٱسْتَجَابُواْ لَكُمْ وَيَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِـكُمْ وَلاَ يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ
١٤
-فاطر

أيسر التفاسير

شرح الكلمات:
عذب فرات: أي شديد العذوبة.
وهذا ملح أجاج: أي شديد الملوحة.
ومن كل تأكلون : أي ومن كل منهما.
لحماً طريا: أي السمك.
حلية تلبسونها: أي اللؤلؤ والمرجان.
مواخر: أي تمخر الماء وتشقه عند جريانها في البحر.
لتبتغوا من فضله: أي لتطلبوا الرزق بالتجارة من فضل الله تعالى.
ولعلكم تشكرون: أي رجاء أن تشكروا الله تعالى على ما رزقكم.
يولج الليل في النهار: أي يدخل الليل في النهار فيزيد.
ويولج النهار في الليل: أي يدخل النهار في الليل فيزيد.
وسخر الشمس والقمر: أي ذللهما.
كل يجري لأجل مسمى: أي في فلكه إلى يوم القيامة.
والذين تدعون: أي تعبدون بالدعاء وغيره من العبادات وهم الأصنام.
ما يملكون من قطمير: أي من لفافة النواة التي تكون عليه وهي بيضاء رقيقة.
ولو سمعوا: أي فرضاً ما استجابوا لكم.
يكفرون بشرككم: أي يتبرأون منكم ومن عبادتكم إياهم.
ولا يُنبئك مثل خبير: أي لا ينبئك أي بأحوال الدارين مثلي فإني خبير بذلك عليم.
معنى الآيات:
ما زال السياق الكريم في ذكر مظاهر قدرة الله وعلمه وحكمة تدبيره لخلقه وهي مظاهر موجبة لله العبادة وحده دون غيره، ومقتضيه للبعث الذي أنكره المشركون قال تعالى { وَمَا يَسْتَوِي ٱلْبَحْرَانِ } أي لا يتعادلان. { هَـٰذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَآئِغٌ شَرَابُهُ } أي ماؤه عذب شديد العذوبة { وَهَـٰذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ } أي ماؤه شديد الملوحة لمرارته مع ملوحته، فهل يستوي الحق والباطل هل تستوي عبادة الأصنام مع عبادة الرحمن؟ والجواب لا. وقوله: { وَمِن كُلٍّ تَأْكُلُونَ } أي ومن كل من البحرين العذب والملح تأكلون لحماً طرياً وهو السمك { وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا } أي اللؤلؤ والمرجان. وهي حلية يتحلى بها النساء للرجال، وقوله { وَتَرَى ٱلْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ } أي وترى أيها السامع لهذا الخطاب { ٱلْفُلْكَ } أي السفن مواخر في البحر تمخر عباب البحر وتشق ماءه غادية رائحة تحمل الرجال والأموال، سخرها وسخر البحر { لِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ } أي الرزق بالتجارة، { وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } أي سخر لكم البحر لتبتغوا من فضله ورجاء أَن تشكروا. لم يقل لتشكروا كما قال لتبتغوا لأن الابتغاء حاصل من كل راكب، وأما الشكر فليس كذلك بل من الناس من يشكر ومنهم من لا يشكر، ولذا جاء بأداة الرجاء وهي لعل وقوله { يُولِجُ ٱلْلَّيْلَ فِي ٱلنَّهَارِ } أي يدخل جزءاً من الليل في النهار فيطول، ويقصر الليل { وَيُولِجُ ٱلنَّهَارَ فِي ٱلْلَّيْلِ } أي يدخل جزءاً منه في الليل فيطول كما أنه يدخل النهار في الليل، والليل في النهار بالكلية فإنه إذا جاء أحدهما ذهب الآخر ويشهد له قوله تعالى
{ { وَآيَةٌ لَّهُمُ ٱلَّيلُ نَسْلَخُ مِنْهُ ٱلنَّهَارَ } [يس: 37] ولازمه والنهار نسلخ منه الليل، فإذا الليل ليل والنهار نهار.
وقوله { وَسَخَّرَ ٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ } أي ذللهما فما يسيران الدهر كله بلا كلل ولا ملل لصالح العباد إذ بهما كان الليل والنهار، وبهما تعرف السنون والحساب وقوله { كُلٌّ يَجْرِي } أي كل منهما يجري { لأَجَلٍ مُّسَمًّى } أي إلى وقت محدد وهو يوم القيامة. ولما عرف تعالى نفسه بمظاهر القدرة قدرته وعلمه وحكمته ولطفه ورحمته قال للناس { ذَلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمْ } أي بعد أن أقام الحجة وأظهر الدليل لم يبق إلا الإِعلان عن الحقيقة التي يتنكر لها الكافرون فأعلنها بقوله { ذَلِكُمُ } ذو الصفات العظام والجلال والإِكرام هو الله ربكم الذي لا رب لكم سواه له الملك، وليس لغيره فلا يصح طلب شيء من غيره، إذ الملك كله لله وحده، وأما الذين تدعون من دونه أي تعبدونهم من دونه وهي الأصنام والأوثان وغيرها من الملائكة والأنبياء والأولياء فإنهم لا يملكون من قطمير فضلا عن غيره ثمرة فما فوقها لأن الذي لا يملك قطميراً - وهو القشرة الرقيقة على النواة - لا يملك بعيراً.
وقوله { إِن تَدْعُوهُمْ لاَ يَسْمَعُواْ دُعَآءَكُمْ } نعم لا يسمعون لأنهم جمادات وأصنام من حجارة فكيف يسمعون وعلى فرض لو أنهم سمعوا ما استجابوا لداعيهم لعدم قدرتهم على الاستجابة وقوله تعالى { وَيَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِـكُمْ } فهم إذاً محنة لكم في الدنيا تنحتونهم وتحمونهم وتعبدونهم ويوم القيامة يكونون أعداء لكم وخُصُوماً فيتبرءون من شرككم إياهم في عبادة الله، فتقوم عليكم الحجة بسببهم فما الحاجة إذاً إلى الإِصرار على عبادتهم وحمايتهم والدفاع عنهم وقوله تعالى { وَلاَ يُنَبِّئُكَ } أيها السامع { مِثْلُ خَبِيرٍ } وهو الله تعالى فالخبير أصدق من ينبئ وأصح من يقول فالله هو العليم الخبير وما أخبر به عن الآلهة في الدنيا والآخرة في الدنيا عن عجزها وعدم غناها وفي الآخرة عن براءتها وكفرها بعبادة عابديها. فهو الحق الذي لا مرية فيه.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
1- تقرير ربوبية الله المستلزمة لأُلوهيته.
2- بيان مظاهر القدرة والعلم والحكمة وبها تقرر ربوبيته تعالى وألوهيته لعباده.
3- تقرير عقيدة البعث والجزاء بذكر يوم القيامة وبراءة الآلهة من عابديها.
4- بيان عجز الآلهة عن نفع عابديها في الدنيا وفي الآخرة.
5- تقرير صفات الكمال لله تعالى من الملك والقدرة والعلم، والخبرة التامة الكاملة وبكل شيء.