شرح الكلمات:
لا إله إلا هو: لا معبود بحق إلا هو.
فئتين: جماعتين الواحدة فئة أي جماعة.
أركسهم: الارتكاس: التحول من حال حسنة إلى حال سيئة كالكفر بعد الإِيمان أو الغدر بعد الأمان وهو المراد هنا.
سبيلاً: أي طريقاً إلى هدايتهم.
وَليّاً ولا نصيراً: الولي: من يلي أمرك، والنصير: من ينصرك على عدوك.
يصلون: أي يتصلون بهم بموجب عقد معاهدة بينهم.
ميثاق: عهد.
حصرت صدورهم: ضاقت.
السلم: الاستسلام والانقياد.
الفتنة: الشرك.
ثقفتموهم: وجدتموهم متمكنين منهم.
سلطاناً مبيناً: حجة بينة على جواز قتالهم.
معنى الآيات:
لما ذكر تعالى الآيات قبل هذه أنه تعالى المقيت والحسيب أي القادر على الحساب والجزاء أخبر عز وجل أنه الله الذي لا إله إلا هو أي المعبود دون سواه لربوبيته على خلقه إذ الإِله الحق ما كان رباً خالقاً رازقاً مدبراً بيده كل شيء وإليه مصير كل شيء وأنه جامع الناس ليوم لا ريب في إتيانه وهو يوم القيامة.
هذا ما دلت عليه الآية الكريمة { ٱللَّهُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ لاَ رَيْبَ فِيهِ } ولما كان هذا خبراً يتضمن وعداً ووعيداً أكد تعالى إنجازه فقال: { وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ ٱللَّهِ حَدِيثاً } اللهم إنه لا أحد أصدق منك.
أما الآيات الأربع الباقية وهي [88] و [89] و [90] و [91] فقد نزلت لسبب معين وتعالج مسائل حربية معنية أما السبب الذي نزلت فيه فهو اختلاف المؤمنين من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم في طائفة من المنافقين أظهروا الإِسلام وهم ضليعون في موالاة الكافرين، وقد يكونوا في مكة، وقد يكونون في المدينة فرأى بعض الأصحاب أن من الحزم الضرب على أيديهم وإنهاء نفاقهم، ورأى آخرون تركهم والصبر عليهم ما داموا يدعون الإِيمان لعلهم بمرور الأيام يتوبون، فلما اختلفوا واشتد الخلاف في شأنهم أنزل الله تعالى هذه الآيات فقال: { فَمَا لَكُمْ فِي ٱلْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَٱللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوۤاْ أَتُرِيدُونَ أَن تَهْدُواْ مَنْ أَضَلَّ ٱللَّهُ وَمَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً } ومعنى الآية أي شيء صيركم في شأن المنافقين فئتين؟ والله تعالى قد أركسهم في الكفر بسبب ما كسبوه من الذنوب العظام. أتريدون أيها المسلمون أن تهدوا من أضل الله، وهل يقدر أحد على هداية من أضله الله؟ وكيف، ومن يضلل الله حسب سنته في إضلال البشر لا يوجد له هادٍ، ولا سبيل لهدايته بحال من الأحوال.
ثم أخبر تعالى عن نفسيّة أولئك المنافقين المختلف فيهم فقال وهي الآية الثالثة [89] { وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَآءً } أي أحبوا من قلوبهم كفركم لتكونوا مثلهم وفيه لازم وهو انتهاء الإِسلام، وظهور الكفر وانتصاره.
ومن هنا قال تعالى محرما موالاتهم إلى أن يهاجروا فقال: { فَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ أَوْلِيَآءَ } تعولون عليهم في نصرتكم على إخوانهم في الكفر. وظاهر هذا السياق أن هؤلاء المنافقين هم بمكة وهو كذلك. وقوله تعالى { حَتَّىٰ يُهَاجِرُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ }، لأن الهجرة إلى المدينة تقطع صلاتهم بدار الكفر فيفتر عزمهم ويراجعوا الصدق في إيمانهم فيؤمنوا فإن هاجروا ثم تولوا عن الإِيمان الصحيح إلى النفاق والكفر فأعلنوا الحرب عليهم { فَخُذُوهُمْ وَٱقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً } لأنه بارتكاسهم لا خير فيهم ولا يعول عليهم.
ثم في الآية [90] استثنى لهم الرب تعالى صنفين من المنافقين المذكورين فلا يأخذونهم أسرى ولا يقاتلونهم، الصنف الأول الذين ذكرهم تعالى قوله { إِلاَّ ٱلَّذِينَ يَصِلُونَ } أي يلجأون { إِلَىٰ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَٰقٌ } فبحكم استجارتهم بهم طالبين الأمان منهم فأمنوهم أنتم حتى لا تنقضوا عهدكم. والصنف الثاني قوم ضاقت صدورهم بقتالكم، وقتال قومهم فهؤلاء الذين لم يستسيغوا قتالكم ولا قتال قومهم إن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم فلا تأخذوهم ولا تقتلوهم واصبروا عليهم، إذ لو شاء الله تعالى لسلطهم عليكم فلقاتلوكم هذا الصنف هو المعني بقوله تعالى: { أَوْ جَآءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَن يُقَٰتِلُوكُمْ أَوْ يُقَٰتِلُواْ قَوْمَهُمْ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَٰتَلُوكُمْ } فما دام الله تعالى قد كفهم عنكم فكفوا أنتم عنهم. هذا معنى قوله تعالى: { فَإِنِ ٱعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَٰتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْاْ إِلَيْكُمُ ٱلسَّلَمَ }. أي المسالمة والمهادنة { فَمَا جَعَلَ ٱللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً } لأخذهم وقتالهم. هذا وهناك صنف آخر ذكر تعالى حكم معاملته في الآية الخامسة والأخيرة وهي قوله تعالى: [91] { سَتَجِدُونَ آخَرِينَ } غير الصنفين السابقين { يُرِيدُونَ أَن يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُواْ قَوْمَهُمْ } فهم إذاً يلعبون على الحبلين كما يقال { كُلَّ مَا رُدُّوۤاْ إِلَى ٱلْفِتْنِةِ } أي إلى الشرك { أُرْكِسُواْ فِيِهَا } أي وقعوا فيها منتكسين إذ هم منافقون إذا كانوا معكم عبدوا الله وحده وإذا كانوا مع قومهم عبدوا الأوثان لمجرد دعوة يدعونها يلبون فيرتدون إلى الشرك، وهو معنى قوله تعالى: { كُلَّ مَا رُدُّوۤاْ إِلَى ٱلْفِتْنِةِ أُرْكِسُواْ فِيِهَا } وقوله تعالى: { فَإِن لَّمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوۤاْ إِلَيْكُمُ ٱلسَّلَمَ } أي إن لم يعتزلوا قتالكم ويلقوا إليكم السلام وهو الإِذعان والإِنقياد لكم، ويكفوا أيديهم فعلاً عن قتالكم { فَخُذُوهُمْ وَٱقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأُوْلَـٰئِكُمْ جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَاناً مُّبِيناً } أي حجة واضحة على جواز أخذهم وقتلهم حيثما تمكنتم منهم وعلى أي حال. هذا ما دلت عليه الآيات الخمس مع العلم أن الكف عن قتال المشركين قد نسخ بآيات براءة إلا أن لإِمام المسلمين أن يأخذ بهذا النظام عند الحاجة إليه فإنه نظام رباني ما أخذ به أحد وخاب أو خسر، ولكن خارج جزيرة العرب إذ لا ينبغي أن يجتمع فيها دينان.
هداية الآيات
من هداية الآيات
1- وجوب توحيد الله تعالى في عبادته.
2- الإِيمان بالبعث والجزاء.
3- خطة حكيمة لمعاملة المنافقين بحسب الظروف والأحول.
4- تقرير النسخ في القرآن.