التفاسير

< >
عرض

قَٰلَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَىٰ مِمَّا وَجَدتُّمْ عَلَيْهِ آبَآءَكُمْ قَالُوۤاْ إِنَّا بِمَآ أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ
٢٤
فَٱنتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَٱنظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلْمُكَذِّبِينَ
٢٥
وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَآءٌ مِّمَّا تَعْبُدُونَ
٢٦
إِلاَّ ٱلَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ
٢٧
وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ
٢٨
بَلْ مَتَّعْتُ هَـٰؤُلاَءِ وَآبَآءَهُمْ حَتَّىٰ جَآءَهُمُ ٱلْحَقُّ وَرَسُولٌ مُّبِينٌ
٢٩
وَلَمَّا جَآءَهُمُ ٱلْحَقُّ قَالُواْ هَـٰذَا سِحْرٌ وَإِنَّا بِهِ كَافِرُونَ
٣٠
وَقَالُواْ لَوْلاَ نُزِّلَ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنُ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنَ ٱلْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ
٣١
أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَّعِيشَتَهُمْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضاً سُخْرِيّاً وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ
٣٢
-الزخرف

أيسر التفاسير

شرح الكلمات:
قال أولو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم: قال لهم رسولهم: أتتبعون آباءكم ولو جئتكم بأهدى أي بخير مما وجدتم عليه آباءكم هداية إلى الحق والسعادة والكمال.
قالوا إنا بما ارسلتم به كافرون: أي قال المشركون لرسلهم ردَّاً عليهم إنا بما أرسلتم به كافرون أي جاحدون منكرون غير معترفين به.
فانظر كيف كان عاقبة المكذبين: أي كانت دماراً وهلاكاً إذاً فلا تكترث بتكذيب قومك يا رسولنا.
وإذ قال إبراهيم: أي وأذكر إذ قال إبراهيم أبو الأنبياء خليل الرحمن.
إنني براء مما تعبدون: أي برئ مما تعبدون من أصنام لا أعبدها ولا أعترف بها.
إلا الذي فطرني فإنه سيهدين: أي لكن الذي خلقني فإني أعبده وأعترف به فإنه سيهدني أي يرشدني إلى ما يكملني ويسعدني في الحياة الدنيا وفي الآخرة.
وجعلها كلمة باقية في عقبه: أي وجعل إبراهيم كلمة التوحيد: "لا إله إلا الله" باقية دائمة في ذريته إذ وصاهم بها كما قال تعالى ووصى بها إبراهيم بنيه.
لعلهم يرجعون: أي رجاء أن يتوبوا إلى الله ويرجعوا إلى توحيده كلما ذكروها وهي لا إله إلا الله.
بل متعت هؤلاء وآباءكم: أي هؤلاء المشركين وآباءهم بالحياة فلم أعاجلهم بالعقوبة.
حتى جاءهم الحق ورسول مبين: أي إلى أن جاء القرآن يحمل الدين الحق، ورسول مبين لا شك في رسالته وهو محمد صلى الله عليه وسلم يبين لهم طريق الهدى والأحكام الشرعية.
وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم: أي وقال هؤلاء المشركون الذين متعناهم بالحياة فلم نُعاقبهم، هَلاَّ نزل هذا القرآن على أحد رجلين من قريتي مكة أو الطائف أي الوليد بن المغيرة بمكة أو عروة بن مسعود الثقفي في الطائف.
أهم يقسمون رحمة ربك؟: أي ينكر تعالى عليهم هذا التحكم والاقتراح الفاسد فقال أهم يقسمون رحمة ربك إذ النبوة رحمة من أعظم الرحمات. وليس لهم حق في تنبئة أي أحد إذ هذا من حق الله وحده.
نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا: أي إذا كنا نحن نقسم بينهم معيشتهم فنغني هذا ونفقر هذا ونملك هذا ونعزل هذا، فكيف بالنبوة وهي أجل وأغلى من الطعام والشراب فنحن أحق بها منهم فننبئ من نشاء.
ليتخذ بعضهم بعضا سخريا: أي جعلنا هذا غنياً وذاك فقيراً ليتخذ الغنى الفقير خادما يسخره في خدمته بأجرة مقابل عمله.
ورحمة ربك خير مما يجمعون: أي والجنة التي أعدها الله لك ولأتباعك خير من المال الذي يجمع هؤلاء المشركون الكافرون.
معنى الآيات:
لما ذكر تعالى قول المشركين لرسلهم: { إِنَّا وَجَدْنَآ ءَابَآءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ } "ملة" { وَإِنَّا عَلَىٰ ءَاثَارِهِم مُّقْتَدُونَ }، قال مخبراً عن قول الرسول لأمته المكذبة المقلدة للآباء الظالمين { قَٰلَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَىٰ مِمَّا وَجَدتُّمْ عَلَيْهِ آبَآءَكُمْ } أي اتتبعون آباءكم ولا تتبعوني ولا جئتكم بأهدى إلى الخير والسعادة مما وجدتم عليه آباءكم، وهذا إنكار من الرسول عليهم في صورة استفهام وهو توبيخ أيضاً إذ العاقل يتبع الهدى جاء به من جاء قريباً كان أو بعيداً. وقوله تعالى { قَالُوۤاْ إِنَّا بِمَآ أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ } هذا قول الأمم المكذبة المشركة لرسلهم أي كل أمة قالت هذا لرسولها: إنما بما أرسلتم به من التوحيد وعقيدة البعث والجزاء والشرع وأحكامه كافرون أي منكرون مكذبون غير مصدقين، قال تعالى: { فَٱنتَقَمْنَا مِنْهُمْ } أي لتكذيبهم فأهلكناهم فانظر يا رسولنا كيف كان عاقبتهم وهم المكذبون إنها دمار شامل وهلاك تام. وليذكر هذا قومك لعلهم يذكرون.
وقوله تعالى: { وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَآءٌ مِّمَّا تَعْبُدُونَ } أي واذكر يا رسولنا لقومك قول إبراهيم الذي ينتسبون إليه باطلا لأبيه وقومه: إنني براء مما تعبدون أي إني بريء من آلهتكم التي تعبدونها فلا أعبدها ولا أعترف بعبادتها. وقوله { إِلاَّ ٱلَّذِي فَطَرَنِي } أي لكن اعبد الله الذي خلقني فهو أحق بعبادتي مما لم يخلقني ولم يخلق شيئا وهو مخلوق أيضا. وقوله فإنه سيهدين أي يرشدني دائما إلى ما فيه سعادتي وكمالي. وقوله تعالى: { وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } أي وجعل براءته من الشرك والمشركين، وعبادته خاصة بالله رب العالمين جعلها كلمة باقية في ذريته حيث وصاهم بها كما جاء ذلك في سورة البقرة إذ قال تعالى:
{ { وَوَصَّىٰ بِهَآ إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ } [الآية: 132] أي بأن لا يعبدوا إلا الله وهي إذاً كلمة لا إله إلا الله ورثها إبراهيم في بنيه لعلهم يرجعون إليها كلما غفلوا ونسوا وتركوا عبادة الله تعالى والإِنابة إليه بعوامل الشر والفساد من شياطين الإِنس والجن فيذكرون ويتوبون إلى الله تعالى فيوحدونه ويعبدونه فجزى الله إبراهيم عن المؤمنين خيراً. وقوله تعالى: { بَلْ مَتَّعْتُ هَـٰؤُلاَءِ وَآبَآءَهُمْ حَتَّىٰ جَآءَهُمُ ٱلْحَقُّ وَرَسُولٌ مُّبِينٌ } أي بل لم يتحقق ما ترجاه إبراهيم كاملاً إذا أشرك من بنيه من أشرك ومنهم هؤلاء المشركون المعاصرون لك أيها الرسول وآباءهم، ومتعهم بالحياة حتى جاءهم الحق الذي هو هذا القرآن يتلوه هذا الرسول المبين أي الموضح لكل الأحكام والمبين لكل الشرائع. ولما جاءهم الحق قالوا هذا سحر وإنا به كافرون هكذا قالت قريش لما جاءها الحق الذي هو القرآن الحامل للشرائع والأحكام والرسول المبين لذلك والموضح له قالوا هذا سحر يسحرنا به، وإنا به أي بالقرآن والرسول كافرون أي جاحدون منكرون مكذبون وقالوا أبعد من ذلك في الشطط والغلط وهو ما حكاه تعالى عنهم في قوله: { وَقَالُواْ لَوْلاَ نُزِّلَ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنُ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنَ ٱلْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ } أي هلاّ نزل هذا القرآن على رجل شريف ذي مكانه مثل الوليد بن المغيرة في مكة أو عروة بن مسعود في الطائف وهذه نظرة مادية بحتة إذ رأوا أن الشرف بالمال، ولما كان محمد صلى الله عليه وسلم لا مال له ولا ثراء رأوا أنه ليس أهلا للرسالة ولا للمتابعة عليها، فرد تعالى عليهم نظريتهم المادية الهابطة هذه بقوله: { أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ }؟ أما يخجلون عندما قالوا أهم يقسمون رحمة ربك فيعطون منها من شاءوا ويمنعون من شاءوا أم نحن القاسمون؟ إنا قسمنا بينهم معيشتهم: طعامهم وشرابهم وكساهم وسكنهم ومركوبهم في الحياة الدنيا فالعاجز حتى عن إطعام نفسه وسقيها وكسوتها كيف لا يستحي أن يعترض على الله في اختياره من هو أهل لنبوته ورسالته؟ وقوله تعالى: { وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ } أي في الرزق فهذا غني وذاك فقير من أجل أن يخدم الفقير الغني وهو معنى قوله تعالى: { لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضاً سُخْرِيّاً }، إذ لو كانوا كلهم أغنياء لما خدم أحد أحداً وتعطلت الحياة وقوله تعالى: { وَرَحْمَتُ رَبِّكَ } أي الجنة دار السلام خير مما يجمعون من المال الذي فضلوا أهله وإن كانوا من أحط الناس قدرا وأدناهم شرفا. ورأوا أنهم أولى بالنبوة منك لمرض نفوسهم بحب المال والشهوات.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
1- من الكمال العقلي أن يتبع المرء الهدى ولو خالفه قومه وأهل بلاده.
2- وجوب البراءة من الشرك والمشركين وهذا معنى لا إله إلا الله.
3- فضيلة من يورث أولاده هدى وصلاحاً.
4- لا يعترض على الله أحد في شرعه وتدبيره إلا كفر والعياذ بالله تعالى.
5- بيان الحكمة في الغنى والفقر، والصحة والمرض والذكاء والغباء.