التفاسير

< >
عرض

أَفَرَأَيْتَ ٱلَّذِي تَوَلَّىٰ
٣٣
وَأَعْطَىٰ قَلِيلاً وَأَكْدَىٰ
٣٤
أَعِندَهُ عِلْمُ ٱلْغَيْبِ فَهُوَ يَرَىٰ
٣٥
أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَىٰ
٣٦
وَإِبْرَاهِيمَ ٱلَّذِي وَفَّىٰ
٣٧
أَلاَّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ
٣٨
وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَىٰ
٣٩
وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَىٰ
٤٠
ثُمَّ يُجْزَاهُ ٱلْجَزَآءَ ٱلأَوْفَىٰ
٤١
وَأَنَّ إِلَىٰ رَبِّكَ ٱلْمُنتَهَىٰ
٤٢
وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَىٰ
٤٣
وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا
٤٤
وَأَنَّهُ خَلَقَ ٱلزَّوْجَيْنِ ٱلذَّكَرَ وَٱلأُنثَىٰ
٤٥
مِن نُّطْفَةٍ إِذَا تُمْنَىٰ
٤٦
وَأَنَّ عَلَيْهِ ٱلنَّشْأَةَ ٱلأُخْرَىٰ
٤٧
وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَىٰ وَأَقْنَىٰ
٤٨
وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ ٱلشِّعْرَىٰ
٤٩
وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَاداً ٱلأُولَىٰ
٥٠
وَثَمُودَ فَمَآ أَبْقَىٰ
٥١
وَقَوْمَ نُوحٍ مِّن قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُواْ هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَىٰ
٥٢
وَٱلْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَىٰ
٥٣
فَغَشَّاهَا مَا غَشَّىٰ
٥٤
-النجم

أيسر التفاسير

شرح الكلمات:
أفرأيت الذي تولى: أي عن الإِسلام بعد ما قارب أن يدخل فيه.
أعطى قليلاً وأكدى: أي أعطى من زعم أنه يتحمل عنه عذاب الآخرة أعطاه ما وعده من المال ثم منع.
أعنده علم الغيب فهو يرى: أي يعلم أن غيره يتحمل عنه العذاب والجواب لا.
أم لم ينبأ بما في صحف موسى وإبراهيم الذي وفى: أي أم بل لم يخبر بما ورد في الصحف المذكورة وهي التوراة وعشر صحف كانت لإبراهيم عليه السلام.
ألا تزر وازرة وزر أخرى: أي أنه لا تحمل نفس مذنبة ذنب غيرها.
وأنَّ ليس للإنسان إلا ما سعى: أي من خير وشر، وليس له ولا عليه من سَعي غيره شيء.
وأن سعيه سوف يرى: أي يُبصَر يوم القيامة ويراه بنفسِهِ.
ثم يجزاه الجزاء الأوفى: أي الأكمل التام الذي لا نقص فيه.
إن إلى ربك المنتهى: أي المرجع والمصير إليه ينتهى أمر عباده بعد الموت ويجازيهم.
وأنه أضحك وأبكى: أي أفرح من شاء فأضحكه، وأحزن من شاء فأبكاه.
وإنه أمات وأحيا: أمات في الدنيا وأحيا في الآخرة.
وإنه خلق الزوجين: أي الصنفين الذكر والأنثى.
من نطفة إذا تمنى: أي من منى إذا تمنى تُصبُّ في الرحم.
وأن عليه النشأة الأخرى: أي الخلقة الثانية للبعث والجزاء.
وأنه هو أغنى وأقنى: أي وأنه هو وحده أغنى بعض الناس بالكفاية، وأقنى بعض الناس بالمال المقتنى المدخر للقنية.
وأنه هو رب الشعرى: أي خالقها ومالكها وهي كوكب خلف الجوزاء عبده المشركون.
وأهلك عادا الأولى: أي قوم هود عليه السلام.
وثمودا فما أبقى: أي أهلكها أيضا فلم يبق منهم أحداً وهم قوم صالح.
وقوم نوح من قبل: أي وأهلك قوم نوح من قبل عاد وثمود وقوم لوط.
والمؤتفكة أهوى: أي وقرى قوم لوط أسقطها بعد رفعها إلى السماء مقلوبة إلى الأرض إذ الائتفاك الانقلاب.
فغشاها ما غشى: أي بالعذاب ما غشى حيث جعل عاليها سافلها وأمطر عليها حجارة من سجيل.
معنى الآيات:
إن هذه الآيات ترسم صورة لقرشي جاهل هو الوليد بن المغيرة إذ قدر له أن استمع إلى قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم فهش لها ودعاه الرسول فأسلم أو أوشك أن يسلم فعلم به أحد المشركين من شياطينهم فجاءه فعيره بإسلامه وترك دين آبائه فاعتذر له الوليد بأنه يخاف عذاب الله فقال له الشيطان القرشي وكان فقيراً والوليد غنياً أعطنى كذا من المال شهرياً أو أسبوعياً أو سنوياً وأنا اتحمل عنك العذاب الذي تخافه وعد إلى دينك وأثبت عليه فوافق الوليد على العرض وأخذ يعطيه المال. ثم أكدى أي قطع عنه ما كان يعطيه ومنعه. فأنزل الله تعالى فيه هذه الآيات تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتعليماً وتحذيراً لكل من تبلغه ويقرأها أو تقرأ عليه فقال تعالى في أسلوب حمل فيه السامع على التعجب: { أَفَرَأَيْتَ ٱلَّذِي تَوَلَّىٰ } أي عن الإِسلام بعد أن قارب الوصول إليه والدخول فيه. { وَأَعْطَىٰ قَلِيلاً } أي من المال للشيطان المشرك الذي اتفق معه على أن يتحمل عليه العذاب مقابل مال يعطيه إياه أقساطاً، { وَأَكْدَىٰ } أي قطع ومنع لأن الذي يحفر بئراً في أرض أحياناً تصادفه كدية من الأرض الصلبة يعجز عن الحفر فينقطع عن الحفر ويمتنع كذلك الوليد أعطى ثم امتنع وهو معنى أكدى أي انتهى إلى كدية من الأرض الصلبة.
وقوله تعالى: { أَعِندَهُ عِلْمُ ٱلْغَيْبِ فَهُوَ يَرَىٰ } أي أن المرء في إمكانه أن يتحمل عذاب غيره يوم القيامة والجواب لا علم غيب عنده لا من كتاب ولا من سنة، أم لم ينبأ بما في صحف موسى وهي التوراة وإبراهيم الذي وفي لربه في كل ما عهد به إليه من ذبح ولده حيث تله للجبين ليذبحه، ومن بناء البيت والهجرة والختان بالقدوم إلى غير ذلك من التكاليف الشاقة. أي ألم ينبأ أي يخبر هذا الرجل الجاهل بما في صحف موسى بن عمران نبي بني إسرائيل وإبراهيم أبو الأنبياء ثم بين تعالى ما تضمنته تلك الصحف من علم فقال:
* ألا تزر وازرة وزر أخرى أن لا تحمل نفس مذنبة ذنب نفس أخرى.
* وأن ليس للإِنسان من ثواب يوم القيامة إلا ما سعى في تحصيله بنفسه وهذا لا يتعارض مع قول الرسول صلى الله عليه وسلم في الصحيح
"إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث ولد صالح يدعو له أو صدقة جارية أو علم ينتفع به" إذ هذه الثلاثة أمور من عمل الإِنسان وسعيه الولد انجبه ورباه والصدقة الجارية أوقفها بنفسه والعلم تعلمه وبثّه في الناس وعلمه فالجميع من سعيه وكسبه.
* وأن سعيه أي عمله في الدنيا من خير وشر سوف يرى علانية ويجزى به خيراً كان أو شراً والجزاء الأوفى أي الأكمل الأتم.
* وأن إلى ربك المنتهى أي إليه تصير أمور عباده بعد الموت ويحكم فيها ويجزيهم بها.
* وأنه هو أضحك وأبكى أي أفرح من شاء وأحزن فضحك الفرح وبكى الحزن. أضحك أهل الجنة وأبكى أهل النار. زيادة على من أفرح في الدنيا ومن أحزن.
* وأنه أمات وأحيا أمات عند نهاية أجل العبد وأحياه في قبره ويوم نشره وحشره وأحيْا بالإِيمان وأمات بالكفر وأمات بالقحط وأحيا بالمطر.
* وأنه خلق الزوجين أي الصنفين الذكر والأنثى من سائر الحيوانات من نطفة أي قطرة المنى إذا تمنى أي تصب في الأرحام.
* وأن عليه تعالى النشأة الأخرى أي هو الذي يقوم بها فيحيي الخلائق بعد موتهم يوم القيامة.
* وأنه هو أغنى وأقنى أي أغنى بعض الناس فسد حاجتهم وكفاهم مؤونتهم، وأقنى آخرين أعطاهم مالاً كثيراً فاقتنوه قنيةً.
* وأنه هو رب الشعرى ذلك الكوكب الذي يطلع خلف الجوزاء فالله خالقه ومالكه ومسخره وقد عبده الجاهلون واتخذوه رباً وإلهاً وهو مربوب مألوه.
* { وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَاداً ٱلأُولَىٰ } قوم هود أرسل عليهم ريحاً صرصراً ما أتت على شيء إلا جعلته كالرميم، عاد تلك الأمة القائلة من أشد منا قوة دمر الله عليهم فاهلكهم أجمعين.
*وثمودا فما أبقى أي وأهلك ثمود قوم صالح بالحجر فما أبقى منهم أحداً.
* وقوم نوح من قبل عاد وثمود أهلكهم إنهم كانوا هم أظلم من غيرهم وأطغى.
* والمؤتفكة أي قرى قوم لوط سدوم وعموره أهلكهم فرفع تلك القرى إلى عنان السماء ثم أهوى بها إلى الأرض وأرسل عليهم حجارة من طين من سجيل فغشى تلك المدن من العذاب الأليم ما غشى عذاب يعجز الوصف عنه هذا هو الله رب العالمين الذي اتخذ الجهال له أنداداً فعبدوها معه.
هذا هو الله الإِله الحق الذي اتخذ الناس من دونه آلهة لا تعلم ولا تحكم ولا تقدر.
هذا هو الله العزيز المنتقم لأوليائه من أعدائه يشقي عبداً عاداه ويسعد آخر والاه.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1- تقرير ربوبية الله تعالى وإثبات ألوهيته بالبراهين والحجج التي لا ترد بحال.
2- تقرير عدالة الله تعالى في حكمه وقضائه.
3- مظاهر قدرة الله تعالى وعلمه وحكمته.
4- تقرير حقيقة علمية وهي أن العمل الذي يزكى النفس أو يُدنسها هو ذاك الذي يباشره المرء بنفسه وباختياره وقصده ونيته.
5- تحذير الظلمة والطغاة من أهل الكفر والشرك من أن يصيبهم ما أصاب غيرهم من الدّمار والخسران.