التفاسير

< >
عرض

وَجَعَلُواْ للَّهِ شُرَكَآءَ ٱلْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُواْ لَهُ بَنِينَ وَبَنَٰتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَٰنَهُ وَتَعَٰلَىٰ عَمَّا يَصِفُونَ
١٠٠
بَدِيعُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَّهُ صَٰحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ
١٠١
ذٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمْ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ خَٰلِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَٱعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ
١٠٢
لاَّ تُدْرِكُهُ ٱلأَبْصَٰرُ وَهُوَ يُدْرِكُ ٱلأَبْصَٰرَ وَهُوَ ٱللَّطِيفُ ٱلْخَبِيرُ
١٠٣
-الأنعام

أيسر التفاسير

شرح الكلمات:
شركاء: جمع شريك في عبادته تعالى.
الجن: عالم كعالم الإِنس إلا أنهم أجسام خفية لا ترى لنا إلا إذا تشكلت بما يُرى.
وخرقوا: اختلقوا وافتاتوا.
يصفون: من صفات العجز بنسبة الولد والشريك إليه.
بديع السماوات والأرض: مبدع خلقهما حيث أوجدهما على غير مثال سابق.
أنى يكون له ولد: أي كيف يكون له ولد؟ كما يقول المبطلون.
ولم تكن له صاحبة: أي زوجة.
لا تدركه الأبصار: لا تراه في الدنيا، ولا تحيط به في الآخرة.
وهو يدرك الأبصار: أي محيط علمه بها.
وهو اللطيف: الذي ينفذ علمه إلى بواطن الأمور وخفايا الأسرار فلا يحجبه شيء.
معنى الآيات:
لقد جاء في الآيات السابقة من الأدلة والبراهين العقلية ما يبهر العقول ويذلها لقبول التوحيد، وأنه لا إله إلا الله، ولا رب سواه، ولكن مع هذا فقد جعل الجاهلون لله من الجن شركاء فأطاعوهم فيما زينوا لهم من عبادة الأصنام والأوثان، وهذا ما أخبر به تعالى في هذه الآية الكريمة [100] إذ قال { وَجَعَلُواْ للَّهِ شُرَكَآءَ ٱلْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُواْ لَهُ بَنِينَ وَبَنَٰتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَٰنَهُ وَتَعَٰلَىٰ عَمَّا يَصِفُونَ } ومعنى الآية وجعل العادلون بربهم الأصنام والجن شركاء لله في عبادته، وذلك بطاعتهم فيما زينوا لهم من عبادة الأصنام، والحال أنه قد خلقهم فالكل مخلوق له العابد والمعبود من الجن والأصنام، وزادوا في ضلالهم شوطاً آخر حيث اختلقوا له البنين والبنات وهذا كله من تزيين الشياطين لهم وإلا فأي معنى في أن يكون لخالق العالم كله بما فيه الإِنس والجن والملائكة أبناء وبنات. هذا ما عناه تعالى بقوله: { وَخَرَقُواْ لَهُ بَنِينَ وَبَنَٰتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَٰنَهُ وَتَعَٰلَىٰ عَمَّا يَصِفُونَ } فنزه الرب تبارك وتعالى نفسه عما وصفوه به كذباً بحتاً وتخرّصاً كاملاً من أن له بنين وبنات وليس لهم على ذلك أي دليل علمي لا عقلي ولا نقلي، وقد شارك في هذا الباطل العرب المشركون حيث قالوا الملائكة بنات الله، واليهود حيث قالوا عزير ابن الله، والنصارى إذ قالوا المسيح ابن الله، تعالى الله عما يقول المبطلون. هذا ما تضمنته الآية الأولى أما الآية الثانية [101] فقد تضمنت إقامة الدليل الذي لا يرد على بطلان هذه الفرية المنكرة فرية نسبة الولد لله سبحانه وتعالى، فقال تعالى: { بَدِيعُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } أي خالقهما على غير مثال سابق { أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَّهُ صَٰحِبَةٌ } أي يا للعجب كيف يكون لله ولد ولم تكن له زوجة إذ النوالد يكون بين ذكر وأنثى لحاجة إليه لحفظ النوع وكثرة النسل لعمارة الأرض بل ولعبادة الرب تعالى بذكره وشكره، أما الرب تعالى فهو خالق كل شيء ورب كل شيء فأي معنى لاتخاذ ولد له، لولا تزيين الشياطين للباطل حتى يقبله أولياؤهم من الإِنس، وقوله تعالى: { وهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } دليل آخر على بطلان ما خرق أولئك الحمقى لله من ولد، إذ لو كان لله ولد لعلمه وكيف لا، وهو بكل شيء عليم. هذا ما دلت عليه الآية الثانية أما الثالثة [102] وهي قوله تعالى: { ذٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمْ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ خَٰلِقُ كُلِّ شَيْءٍ } أي ذلكم الله الذي هو بديع السماوات والأرض والخالق لكل شيء بكل شيء هو ربكم الذي لا إله إلا هو خالق كل شيء فاعبدوه ولا تشركوا به سواه. وإنه لكفيل برزقكم وحفظكم ومجازاتكم على أعمالكم وهو على كل شيء قدير. والآية الأخيرة في السياق الكريم [103] يقرر تعالى حقيقة كبرى وهي أن الله تعالى مباين لخلقه في ذاته وصفاته ليس كمثله شيء فكيف يشرك به وكيف يكون له ولد، وهو لا تدركه الأبصار وهو يدركها وهو اللطيف الذي ينفذ علمه وقدرته في كل ذرات الكون علويِّة وسفليِّة الخبير بكل خلقه لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض وهو العزيز الحكيم.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1- أن من الإِنس من عبد الجن بطاعتهم وقبول ما يأمرونهم به ويزينونه لهم.
2- تنزه الرب تعالى عن الشريك والصاحبة والولد.
3- مباينة الرب تبارك وتعالى لخلقه.
4- استحالة رؤية الرب في الدنيا، وجوازها في الآخرة لأوليائه في دار كرامته.