التفاسير

< >
عرض

يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَآءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِٱلْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُواْ بِمَا جَآءَكُمْ مِّنَ ٱلْحَقِّ يُخْرِجُونَ ٱلرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَن تُؤْمِنُواْ بِٱللَّهِ رَبِّكُمْ إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَاداً فِي سَبِيلِي وَٱبْتِغَآءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِٱلْمَوَدَّةِ وَأَنَاْ أَعْلَمُ بِمَآ أَخْفَيْتُمْ وَمَآ أَعْلَنتُمْ وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَآءَ ٱلسَّبِيلِ
١
إِن يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُواْ لَكُمْ أَعْدَآءً وَيَبْسُطُوۤاْ إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِٱلسُّوۤءِ وَوَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ
٢
لَن تَنفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلاَ أَوْلاَدُكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ
٣
-الممتحنة

أيسر التفاسير

شرح الكلمات:
لا تتخذوا عدوي وعدوكم: أي الكفار والمشركين.
أولياء تلقون إليهم بالمودة: أي لا تتخذوهم أنصاراً توادونهم.
وقد كفروا بما جاءكم من الحق: أي الإِسلام عقيدة وشريعة.
يخرجون الرسول وإياكم: أي بالتضييق عليكم حتى خرجتم فارين بدينكم.
أن تؤمنوا بربكم: أي لأجل أن آمنتم بربكم.
إن كنتم خرجتم جهاداً في سبيلي ابتغاء مرضاتي: فلا تتخذوهم أولياء ولا تبادلوهم المودة.
تسرون إليهم بالمودة: أي توصلون إليهم خبر خروج الرسول لغزوهم بطريقة سرية.
ومن يفعله منكم: أي ومن يوادهم فينقل إليهم أسرار النبي في حروبه وغيرها.
فقد ضل سواء السبيل: أي أخطأ طريق الحق الجادة الموصلة إلى الإِسعاد.
إن يثقفوكم: أي أن يظفروا بكم متمكنين منكم من مكانٍ ما.
يكونوا لكم أعداء: أي لا يعترفون لكم بمودة.
ويبسطوا إليكم أيديهم: أي بالضرب والقتل.
وألسنتهم بالسوء: أي بالسب والشتم.
وودوا لو تكفرون: أي وأحبوا لو تكفرون بدينكم ونبيكم وتعودون إلى الشرك معهم.
لن تنفعكم أرحامكم ولا أولادكم: أي إن توادوهم وتسروا إليهم بالأخبار الحربية تقرباً إليهم من أجل أن يراعوا لكم أقرباءكم وأولادكم المشركين بينهم فاعلموا أنكم لن تنفعكم أرحامكم ولا أولادكم يوم القيامة.
يوم القيامة يفصل بينكم: أي فتكونون في الجنة ويكون المشركون في أولاد وأقرباء وغيرهم في النار.
معنى الآيات:
فاتحة هذه السورة { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَآءَ ... } الآيات. نزلت في شأن حاطب بن أبي بلتعة وكان من المهاجرين الذين شهدوا بدراً روى مسلم في صحيحه عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا والزبير والمقداد فقال ائتوا روضة خاخ "موضع بينه وبين المدينة اثناء عشر ميلا" فإن بها ظعينة "امرأة مسافرة" معها كتاب فخذوه منها فانطلقنا نهادى خيلنا أي نسرعها فإذا نحن بامرأة قلنا أخرجي الكتاب، فقالت ما معي كتاب. فقلنا لتخرجن الكتاب، أو لَتُلْقِنَّ الثياب "أي من عليك" فأخرجته من عقاصها أي من ظفائر شعر رأسها فأتينا به رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا به من حاطب بن أبي بلتعة إلى ناس من المشركين من أهل مكة يخبرهم ببعض أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا حاطب ما هذا؟ فقال لا تعجل عليّ يا رسول الله إني كنت امرءاً ملصقاً في قريش "أي كان حليفاً لقريش ولم يكن قرشياً" وكان من معك من المهاجرين لهم قرابات يحمون بها أهليهم فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب فيه أن أتخذ فيهم يداً يحمون بها قرابتي، ولم أفعله كفراً ولا ارتداداً عن ديني ولا رضا بالكفر بعد الإِسلام وقد علمت أن الله ينزل بهم بأسه وإن كتابي لا يغني عنهم من الله شيئاً، وأن الله ناصرك عليهم. فقال النبي صلى الله عليه وسلم صدق. فقال عمر رضي الله عنه دعني يا رسول الله أضرب عنق هذا المنافق فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه شهد بدراً، وما يدريك لعل الله أطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم فأنزل الله عز وجل { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } أي يا من صدقتم الله ورسوله { لاَ تَتَّخِذُواْ عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ } من الكفار والمشركين { أَوْلِيَآءَ } أي أنصاراً { تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِٱلْمَوَدَّةِ } أي أسرار النبي صلى الله عليه وسلم الحربية ذات الخطر والشأن. والحال أنهم قد كفروا بما جاءكم من الحق الذي هو دين الإِسلام بعقائده وشرائعه وكتابه ورسوله. يخرجون الرسول وإياكم من دياركم بالمضايقة لكم حتى هاجرتم فارين بدينكم، أن تؤمنوا بربكم أي من أجل أن آمنتم بربكم. أمثل هؤلاء الكفرة الظلمة تتخذونهم أولياء تدلون إليهم بالمودة.. إنه لخطأ جسيم ممن فعل هذا.
وقوله تعالى: { إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَاداً فِي سَبِيلِي وَٱبْتِغَآءَ مَرْضَاتِي } أي إن كنتم خرجتم من دياركم مجاهدين في سبيلي أي لنصرة ديني ورسولي وأوليائي المؤمنين وطلبا لرضاي فلا تتخذوا الكافرين أولياء من دوني تلقون إليهم بالمودة.
وقوله تعالى تسرون إليهم بالمودة أي تخفون المودة إليهم بنقل أخبار الرسول السرية والحال أني { أَعْلَمُ } منكم ومن غيركم { بِمَآ أَخْفَيْتُمْ وَمَآ أَعْلَنتُمْ }. وها قد أطلعت رسولي على رسالتكم المرفوعة إلى مشركي مكة والتي تتضمن فضح سر رسولي في عزمه على غزوهم مفاجأة لهم حتى يتمكن من فتح مكة بدون كثير إراقة دم وإزهاق أنفس.
وقوله تعالى: { وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ } أي الولاء والمودة للمشركين فقد ضل سواء السبيل أي أخطأ وسط الطريق المأمون من الانحراف يريد جانب الإِسلام الصحيح.
وقوله تعالى: { إِن يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُواْ لَكُمْ أَعْدَآءً وَيَبْسُطُوۤاْ إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِٱلسُّوۤءِ وَوَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ } أي أنهم أعداؤكم حقاً إن يثقفوكم أي يظفروا بكم متمكنين منكم يكونوا لكم أعداء ولا يبالون بمودتكم إياهم، ويبسطوا إليكم أيديهم بالضرب والقتل وألسنتهم بالسب والشتم وتمنوا كفركم لتعودوا إلى الشرك مثلهم.
وقوله تعالى: { لَن تَنفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلاَ أَوْلاَدُكُمْ } الذين واددتم الكفار من أجلهم من عذاب الله في الآخرة إذ حاطب كتب الكتاب من أجل قرابته وأولاده فبين تعالى خطأ حاطب في ذلك.
وقوله تعالى: { يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ } بأن تكونوا في الجنة أيها المؤمنون ويكون أقرباؤكم وأولادكم المشركون في النار فما الفائدة إذاً من المعصية من أجلهم؟! والله بما تعملون بصير فراقبوه واحذروه فلا تخرجوا عن طاعته وطاعة رسوله.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1- حرمة موالاة الكافرين بالنصرة والتأييد والمودة دون المسلمين.
2- الذي ينقل أسرار المسلمين الحربية إلى الكافرين على خطر عظيم وإن صام وصلى.
3- بيان أن الكافرين لا يرحمون المؤمنين متى تمكنوا منهم لأن قلوبهم عمياء لا يعرفون معروفاً ولا منكراً بظلمة الكفر في نفوسهم وعدم مراقبة الله عز وجل لأنهم لا يعرفونه ولا يؤمنون بما عنده من نعيم وجحيم يوم القيامة.
4- فضل أهل بدر وكرامتهم على الله عز وجل.
5- قبول عذر الصادقين الصالحين ذوي السبق في الإِسلام إذا عثر أحدهم اجتهاداً منه.
6- عدم انتفاع المرء بقرابته يوم القيامة إذا كان مسلماً وهم كافرون.