التفاسير

< >
عرض

سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ
١
يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ
٢
كَبُرَ مَقْتاً عِندَ ٱللَّهِ أَن تَقُولُواْ مَا لاَ تَفْعَلُونَ
٣
إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ
٤
وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ يٰقَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَد تَّعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيْكُمْ فَلَمَّا زَاغُوۤاْ أَزَاغَ ٱللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْفَاسِقِينَ
٥
وَإِذْ قَالَ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ يٰبَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ ٱلتَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي ٱسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُم بِٱلْبَيِّنَاتِ قَالُواْ هَـٰذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ
٦
-الصف

أيسر التفاسير

شرح الكلمات:
سبح لله ما في السماوات وما في الأرض: أي نزه وقدس بلسان القال والحال جميع ما في السماوات وما في الأرض من كائنات.
وهو العزيز الحكيم: أي العزيز الغالب على أمره الحكيم في تدبيره وصنعه.
لم تقولون ما لا تفعلون: أي لأي شيء تقولون قد فعلنا كذا وكذا وأنتم لم تفعلوا؟ والاستفهام هنا للتوبيخ والتأنيب.
كبر مقتاً عند الله: أي عظم مقتاً والمقت: أشد البغض والمقيت والممقوت المبغوض.
أن تقولوا ما لا تفعلون: أي قولكم ما لا تفعلون يبغضه الله أشد البغض.
صفاً كأنهم بنيان مرصوص: أي صافين: ومرصوص ملزق بعضه ببعض لا فرجة فيه.
لم تؤذونني: أي إذ قالوا أنه آدر كذباً فوبخهم عل كذبهم وأذيتهم له.
وقد تعلمون أني رسول الله إليكم: أي أتؤذونني والحال أنكم تعلمون أني رسول الله إليكم.
فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم: أي فلما عدلوا عن الحق بإيذائهم موسى أزاغ الله قلوبهم أي أمالها عن الهدى.
والله لا يهدي القوم الفاسقين: أي الذين فسقوا وتوغلوا في الفسق فما أصبحوا أهلاً للهداية.
يا بني إسرائيل: أي أولاد يعقوب الملقب بإسرائيل، ولم يقل يا قوم كما قال موسى لأنه لم يكن منهم لأنه ولد بلا أب، وأمه صديقة.
مصدقاً لما بين يدي: أي قبلي من التوراة.
يأتي من بعده اسمه أحمد: هو محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحمد أحد أسمائه الخمسة المذكوران والماحي، والعاقب والحاشر.
فلما جاءهم بالبينات: أي على صدق رسالته بالمعجزات الباهرات.
قالوا: هذا سحر مبين: أي قالوا في المعجزات إنها سحر.
معنى الآيات:
قوله تعالى { سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ } يُخبر تعالى أنه قد سبحه جميع ما في السماوات وما في الأرض بلسان القال والحال، وأنه العزيز الحكيم العزيز الغالب على أمره لا يمانع في مراده الحكيم في صنعه وتدبيره لملكه. بعدما أثنى تعالى على نفسه بهذا خاطب المؤمنين بقوله: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ } لفظ النداء عام والمراد به جماعة من المؤمنين قالوا لو نعلم أحب الأعمال إلى الله تعالى لفعلناه فلما علموه ضعفوا عنه ولم يعملوا فعاتبهم الله تعالى في هذه الآية ولتبقى تشريعا عاماً إلى يوم القيامة فكل من يقول فعلت ولم يفعل فقد كذب وبئس الوصف الكذب ومن قال سأفعل ولم يفعل فهو مخلف للوعد وبئس الوصف خلف الوعد وهكذا يربي الله عباده على الصدق والوفاء. وقوله تعالى { كَبُرَ مَقْتاً عِندَ ٱللَّهِ أَن تَقُولُواْ مَا لاَ تَفْعَلُونَ } أي قولكم نفعل ولم تفعلوا مما يمقت عليه صاحبه أشد المقت أي يُبغض أشد البغض.
وقوله تعالى { إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً } أي صافين متلاصقين لا فرجة بينهم كأنهم بنيان مرصوص بعضه فوق بعض لا خلل فيه ولا فرجة كأنه ملحم بالرصاص.
وقوله تعالى: { وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ } أي اذكر قال موسى لقومه من بني إسرائيل يا قوم لم تؤذوني وقد تعلمون أني رسول الله إليكم والحال أنكم تعلمون أني رسول الله إليكم حقاً وصدقاً، وقد آذوه بشتى أنواع الأذى بألسنتهم السليطة وآرائهم الشاذة من ذلك قولهم إن موسى آدُر ولذا هو لا يغتسل معنا، ومعنى آدر به أدرة وهي انتفاخ الخصية.
وقوله تعالى: { فَلَمَّا زَاغُوۤاْ } أي مالوا عن الحق بعد علمه غاية العلم فآثروا الباطل على الحق والشر على الخير والكفر على الإِيمان عاقبهم الله فصرف قلوبهم عن الهدى نقمة منه تعالى عليهم، وذلك لأنّه سنته تعالى فيمن عرض عليه الخبر فأباه بعد علمه به، ثم دعى إليه فلم يستجب ثم رغب فيه فلم يرغب وواصل الشر مختاراً له عندئذ يصبح ما اختار من الفسق أو الكفر أو الظلم أو الإِجرام طبعاً له وخلقاً ثابتاً لا يتبدل ولا يتغير. وعلى هذا يؤول مثل قوله تعالى والله لا يهدي القوم الفاسقين، والله لا يهدي القوم الظالمين، والله لا يهدي القوم المجرمين، والله لا يهدي القوم الكافرين لأنه تعالى أضلهم حسب سنته في الإِضلال فلا يستطيع أحد غيره تعالى أن يهدي عبداً أضله الله على علم وهذا معنى قوله تعالى من سورة النحل
{ { فَإِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي مَن يُضِلُّ } [الآية: 37].
وقوله تعالى: { وَإِذْ قَالَ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ يٰبَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيْكُم } أي اذكر يا رسولنا للاتعاظ والعبرة قول عيسى بن مريم لليهود: يا بني إسرائيل نسبهم إلى جدهم يعقوب الملقب بإسرائيل بن إسحاق بن إبراهيم الخليل عليهم السلام. إني رسول الله إليكم مصدقاً لما بين يدي من التوراة وهذا برهان على صدقي في دعوتي إذ لم أخالف فيما أدعو إليه من عبادة الله وحده ما في التوراة كتاب الله عز وجل وهو بين أيديكم فوفاقنا دال على أن مصدر تشريعنا واحد هو الله عز وجل فكما آمنتم بموسى وهارون وداود وسليمان آمنوا بي فإني رسول الله إليكم مصدقاً لما بين يدي من التوراة ومبشراً برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد، فلهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
"أنا دعوة أبي إبراهيم وبشارة عيسى" ، إذ إبراهيم لما كان يبني البيت مع إسماعيل كانا يتقاولان ما أخبر تعالى به في قوله: { { رَبَّنَا وَٱبْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ آيَٰتِكَ... } [البقرة: 129] الآية. وقوله تعالى { فَلَمَّا جَاءَهُم } أي محمد صلى الله عليه وسلم بالبينات أي بالحجج الدالة على صدق رسالته ووجوب اتباعه في العقيدة والشريعة كفروا به وقالوا في القرآن هذا سحر مبين كما قالها فرعون مع موسى. وكما قالتها اليهود مع عيسى عليه السلام.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1- بيان غنى الله تعالى عن خلقه وأنه سبح لله ما في السماوات وما في الأرض وأن ما شرعه لعباده من العبادات والشرائع إنما هو لفائدتهم وصالح أنفسهم يكملوا عليه أرواحاً وأخلاقاً ويسعدوا به في الحياتين.
2- حرمة الكذب وخلف الوعد إذ قول القائل أفعل كذا ولم يفعل كذِب وخلف وعدٍ. ولذا كان قوله من المقت الذي هو أشد البغض، ومن مقته الله فقد أبغضه أشدَّ البغض وكيف يفلح من مقته الله.
3- فضيلة الجهاد والوحدة والاتفاق وحرمة الخلاف والقتال والصفوف ممزقة حسياً أو معنوياً.
4- التحذير من مواصلة الذنب بعد الذنب فإنه يؤدى إلى الطبع وحرمان الهداية.
5- بيان كفر اليهود بعيسى عليه السلام وازدادوا كفراً بكفرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم.
6- بيان كفر النصارى إذ رفضوا بشارة عيسى وردوها عليه ولم يؤمنوا بالمبشر به محمد صلى الله عليه وسلم.