التفاسير

< >
عرض

يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ جَاهِدِ ٱلْكُفَّارَ وَٱلْمُنَافِقِينَ وَٱغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ
٩
ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱمْرَأَتَ نُوحٍ وَٱمْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ ٱللَّهِ شَيْئاً وَقِيلَ ٱدْخُلاَ ٱلنَّارَ مَعَ ٱلدَّاخِلِينَ
١٠
وَضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ ٱمْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ٱبْنِ لِي عِندَكَ بَيْتاً فِي ٱلْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ
١١
وَمَرْيَمَ ٱبْنَتَ عِمْرَانَ ٱلَّتِيۤ أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ ٱلْقَانِتِينَ
١٢
-التحريم

أيسر التفاسير

شرح الكلمات:
جاهد الكفار: أي بالسيف.
والمنافقين: أي باللسان.
واغلظ عليهم: أي أشدد عليهم في الخطاب ولا تعاملهم باللين.
فخانتاهما: أي في الدّين إذ كانتا كافرتين.
فلم يغنيا عنهما: أي نوح ولوط عن امرأتيهما.
من الله شيئاً: أي من عذاب الله شيئاً وإن قلَّ.
امرأة فرعون: أي آسيا بنت مزاحم آمنت بموسى.
أحصنت فرجها: أي حفظته فلم يصل إليه الرجال لا بنكاح ولا زنا.
فنفخنا فيه من روحنا: أي نفخنا في كُمَّ درعها بواسطة جبريل الملقب بروح القدس.
وصدقت بكلمات ربها: أي بولدها عيسى أنه كلمة الله وعبده ورسوله.
معنى الآيات:
في الآية الأولى [9] يأمر تعالى رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم بعدما ناداه بعنوان النبوة تشريفاً وتكريماً يأمره بجهاد الكفار والمنافقين فالكفار بالسيف، وشن الغارات عليهم حتى يسلموا، والمنافقون بالقول الغليظ والعبارة البليغة المخيفة الحاملة للوعيد والتهديد. وقوله تعالى: { وَٱغْلُظْ عَلَيْهِمْ } أي أشدد وطأتك على الفريقين على المنافقين باللسان، وعلى الكافرين بالسنان. ومأواهم جهنم وبئس المصير إذا ماتوا على نفاقهم وكفرهم، أو من علم الله موتهم على ذلك. وقوله تعالى في الآية الثانية [10] ضرب الله مثلاً في عدم انتفاع الكافر بقرابة المؤمن مهما كانت درجة القرابة عنده. وهو امرأة نوح وامرأة لوط إذ كانت كل واحدة منها تحت نبي رسول فخانتاهما في دينهما فكانتا كافرتين فامرأة نوح تفشى سر من يؤمن بزوجها وتُخبر به الجبابرة من قوم نوح حتى يبطشوا به وكانت تقول لهم إن زوجها مجنون، وامرأة لوط كانت كافرة وتدل المجرمين على ضيوف لوط إذا نزلوا عليه في بيته وذلك في الليل بواسطة النار، وفي النهار بواسطة الدخان. فلما كانتا كافرتين لم تُغن عنهما قرابتهما بالزوجة شيئاً. ويوم القيامة يقال لهما: ادخلا النار مع الداخلين من قوم نوح وقوم لوط. هذا مثل وآخر في عدم تضرر المؤمن بقرابة الكافر ولو كانت القرابة الزوجية وما أقواها، وهو - المثل - إمرأة فرعون الكافر الظالم آسيا بنت مزاحم كانت قد آمنت بموسى مع من آمن فلما عرف فرعون إيمانها أمر بقتلها فلما علمت بعزم الطاغية على قتلها قالت في مناجاتها لربها: رب ابن لي عندك بيتاً في الجنة ونجني من فرعون وعمله الذي هو الكفر والظلم حتى لا أكون كافرة بك ولا ظالمة لأحد من خلقك، ونجني من القوم الظالمين أي من عذابهم فُشدت أيديها وأرجلها لتلقى عليها صخرة عظيمة إن هي أصرت على الإيمان فرفعت بصرها إلى السماء فرأت بيتها في الجنة ففاضت روحها شوقاً إلى الله وإلى بيتها في الجنة وقد رأته فوصلت الصخرة إليها بعد أن فاضت روحها فنجاها الله من عذاب القتل الذي أراده لها فرعون وعصابته الظلمة الكافرون.
وقوله تعالى ومريم ابنت عمران التي أحصنت فرجها. عطف تعالى مريم على آسيا ليكون المثل مُكوناً من امرأتين مؤمنتين، كالمثل الأول كان مُكوناً من امرأتين كافرتين فقال عز وجل ومريم بنت عمران التي أحصنت فرجها عن الرجال في الوقت الذي عم البغاء والزنا ديار بني إسرائيل كما هي الحال اليوم في ديار اليهود وأمثالهم قد لا تسلم امرأة من الزنا بها فلم يضر ذلك مريم لما كانت عفيفة طاهرة بل أكرمها الله لما أحصنت فرجها بأن أرسل إليها روحه جبريل عليه السلام وأمره أن ينفخ في كم درعها فسرت النفخة بقدرة الله تعالى في جسمها فحملت بعيسى الذي كان بكلمة الله كن فكان في ساعة وصول هواء النفخة وولدته للفور كرامة الله للتي أحصنت فرجها خوفاً من الله وتقربا إليه، وما ضرها أن العهر والزنا قد انتشر حولها ما دامت هي طاهرة كما لم يضر كفر فرعون آسيا الطاهرة. وكما لم ينفع إيمان وصلاح نوح ولوط امرأتيهما الكافرتين الخائنتين.
قال ابن عباس رضي الله عنهما ما بغت امرأة نبي قط، وهو كما قال فوالله ما زنت امرأة نبي قط لولاية الله تعالى لأنبيائه فكيف يخزيهم ويذلهم حاشاه تعالى أن يخزي أولياءه أو يذلهم فالمراد من الخيانة المذكورة في قوله تعالى فخانتاهما الخيانة في الدين وإفشاء الأسرار.
وقوله تعالى: وصدقت بكلمات ربها أي بشرائعه وبكتبه التي أنزلها على رسله، وكانت من القانتين أي المطيعين لله تعالى الضارعين له المخبتين.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1- وجوب الجهاد في الكفار بالسيف وفي المنافقين باللسان، وعلى حكام المسلمين القيام بذلك لأنهم خلفاء النبي صلى الله عليه وسلم في أمته.
2- تقرير مبدأ: لا تزر وازرة وزر أخرى. فالكافر لا ينتفع بالمؤمن يوم القيامة.
3- والمؤمن لا يتضرر بالكافر ولو كانت القرابة روحية نبوة أو إنسانية أو أبوة أو بنوة فإبراهيم لم يضره كفر آزر، ونوح لم يضره كفر كنعان ابنه، كما أن آزر وكنعان لم ينفعهما إيمان وصلاح الأب والإبن.
هذا وقرابة المؤمن الصالح تنفع المؤمن دون الصالح لقوله تعالى والذين آمنوا واتبعهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذرّياتهم.