شرح الكلمات:
ليلا ونهارا: أي دائما باستمرار.
إلا فرارا: أي منّي ومن الحق الذي أدعوهم إليه وهو عبادة الله وحده.
جعلوا أصابعهم في آذانهم: أي حتى لا يسمعوا ما أقول لهم.
واستغشوا ثيابهم: أي تغطوا بها حتى لا ينظروا إليّ ولا يروني.
وأصروا: على باطلهم وما هم عليه من الشرك.
يرسل السماء عليكم مدرارا: أي ينزل عليكم المطر متتابعا كلما دعت الحاجة إليه.
ويجعل لكم جنات: أي بساتين.
ما لكم لا ترجون لله وقارا: أي لا تخافون لله عظمته وكبرياءه وهو القاهر فوق عباده.
وقد خلقكم أطوارا: أي حالا بعد حال فطورا نطفة وطورا علقة وطورا مضغة.
وجعل الشمس سراجا: أي مضيئة.
أنبتكم من الأرض نباتا: أي أنشأكم من تراب الأرض.
ثم يعيدكم فيها: أي تقبرون فيها.
ويخرجكم منها إخراجا: أي يوم القيامة.
سبلا فجاجا: أي طرقا واسعة.
معنى الآيات:
هذه الآيات تضمنت لوحة مشرقة يهتدي بضوئها الهداة الدعاة إلى الله عز وجل إذ هي تمثل عرض حال قدمه نوح لربه عز وجل هو خلاصة دعوة دامت قرابة تسعمائة وخمسين سنة ولنصغ إلى نوح عليه السلام وهو يشكوا إلى ربّه ويعرض عليه ما قام به من دعوة إليه فقال { رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي } وهم أهل الأرض كلهم يومئذ { لَيْلاً وَنَهَاراً } أي بالليل وبالنهار إذ بعض الناس لا يمكنه الاتصال بهم إلا ليلا { فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَآئِيۤ } إياهم إلى الإِيمان بك وعبادتك وحدك { إِلاَّ فِرَاراً } مني ومما أدعوهم إليه وإني كلما دعوتهم لتغفر لهم بأن يستغفروك ويتوبوا إليك لتغفر لهم { جَعَلُوۤاْ أَصَابِعَهُمْ فِيۤ آذَانِهِمْ } حتى لا يسمعوا ما أقول لهم، { وَٱسْتَغْشَوْاْ ثِيَابَهُمْ } أي تغطوا بها حتى لا يروني ولا ينظروا إلى وجهي كراهة لي وبغضا فيّ { وَأَصَرُّواْ } على الشرك والكفر إصراراً متزايداً عنادا { وَٱسْتَكْبَرُواْ ٱسْتِكْبَاراً } عجيباً.
{ ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ } إلى توحيدك في عبادتك وإلى ترك الشرك فيها { جِهَاراً } أي مجاهرا بذلك { ثُمَّ إِنِّيۤ أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَاراً } بحسب الجماعات والظروف أطرق كل باب بحثا عن استجابتهم للدعوة وقبولهم للهدى فقلت { ٱسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً يُرْسِلِ ٱلسَّمَآءَ عَلَيْكُمْ مِّدْرَاراً } أي ينزل عليكم المطر متتابعاً فلا يكون قحط ولا محل { وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ } كما هي رغبتكم { وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ } بساتين ذات نخيل وأعناب { وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَاراً } تجري في تلك البساتين تسقيها. ثم التفت إليهم وقال لهم منكرا عليهم استهتارهم وعدم خوفهم { مَّا لَكُمْ لاَ تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً } أي ما دهاكم أي شيء جعلكم لا ترجون لله وقارا لا تخافون عظمته وقدرته وكبرياءه { وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَاراً } ولفت نظرهم إلى مظاهر قدرة الله تعالى فقال لهم { أَلَمْ تَرَوْاْ كَيْفَ خَلَقَ ٱللَّهُ سَبْعَ سَمَٰوَٰتٍ طِبَاقاً } سماء فوق سماء مطابقة لها { وَجَعَلَ ٱلْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً } ينير ما فوقه من السماوات وما تحته من الأرض { وَجَعَلَ ٱلشَّمْسَ سِرَاجاً } وهاجا مضيئا يضيء بوجهه السماوات وبقفاه الأرض كالقمر { وَٱللَّهُ أَنبَتَكُمْ مِّنَ ٱلأَرْضِ نَبَاتاً } إذ أصلكم من تراب والنطف أيضا الغذاء المكون من التراب ثم خلقتكم تشبه النبات وهي على نظامه في الحياة والنماء. { ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا } أي في الأرض بعد الموت فتدفنون فيها { وَيُخْرِجُكُمْ } منها أيضا { إِخْرَاجاً } يوم القيامة للحساب والجزاء { وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَرْضَ بِسَاطاً } أي مفروشة مبسوطة صالحة للعيش فيها والحياة عليها، { لِّتَسْلُكُواْ مِنْهَا سُبُلاً فِجَاجاً } أي طرقا واسعة وهكذا تجول بهم نوح عليه السلام في معارض آيات الله الكونية وكلها دالة على وجود الله تعالى وقدرته وعلمه وحكمته ورحمته وهي موجبة للعبادة له عقلا ونفيها عما سواه كانت هذه مشكلة نوح وعرض حاله على ربّه وهو أعلم به وفي هذا درس عظيم للدعاة الهداة المهديين جعلنا الله منهم آمين.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
1- رسم الطريق الصحيح للدعوة القائم على الصبر وتلوين الأسلوب.
2- بيان كره المشركين للتوحيد والموحدين أنهم لبغضهم لنوح ودعوة التوحيد سدوا آذانهم حتى لا يسمعوا وغطوا وجوههم حتى لا يروه واستكبروا حتى لا يروا له فضلا.
3- استعمال الحكمة في الدعوة فإِن نوحاً لما رأى أن قومه يحبون الدنيا أرشدهم إلى الاستغفار ليحصل لهم المال والولد.
4- استنبط بعض الصالحين من هذه الآية أن من كانت له رغبة في مال أو ولد فليكثر من الاستغفار الليل والنهار ولا يمل يعطه الله تعالى مراده من المال والولد.