التفاسير

< >
عرض

فَلاَ أُقْسِمُ بِٱلْخُنَّسِ
١٥
ٱلْجَوَارِ ٱلْكُنَّسِ
١٦
وَٱللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ
١٧
وَٱلصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ
١٨
إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ
١٩
ذِي قُوَّةٍ عِندَ ذِي ٱلْعَرْشِ مَكِينٍ
٢٠
مُّطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ
٢١
وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ
٢٢
وَلَقَدْ رَآهُ بِٱلأُفُقِ ٱلْمُبِينِ
٢٣
وَمَا هُوَ عَلَى ٱلْغَيْبِ بِضَنِينٍ
٢٤
وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَّجِيمٍ
٢٥
فَأيْنَ تَذْهَبُونَ
٢٦
إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ
٢٧
لِمَن شَآءَ مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ
٢٨
وَمَا تَشَآءُونَ إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ
٢٩
-التكوير

أيسر التفاسير

شرح الكلمات:
الخنس: أي التي تخنس بالنهار أي تختفي وتظهر بالليل.
الجواري الكنس: أي التي تجري أحيانا وتكنس في مكانسها أحيانا أخرى والمكانس محل إيوائها كمكانس بقر الوحش وهي الدرارى الخمسة عطارد والزهرة والمريخ والمشتري وزحل.
إذا عسعس: أي أقبل أو أدبر لأن عسعس من أسماء الأضداد.
تنفس: أي امتد حتى يصير نهاراً بيّناً.
إنه: أي القرآن.
لقول رسول كريم: أي جبريل كريم على الله تعالى وأضيف إليه القرآن لنزوله به.
ذو قوة: أي شديد القوى.
عند ذي العرش مكين: أي عند الله تعالى ذي مكانة.
مطاع ثم أمين: أي مطاع في السماء تطيعه الملائكة أمين على الوحي.
وما صاحبكم بمجنون: أي محمد صلى الله عليه وسلم أي ليس به جنون.
ولقد رآه بالأفق المبين: أي ولقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم جبريل على صورته التي خلق عليها بالأفق الأعلى البيّن من ناحية المشرق.
وما هو على الغيب: أي وما محمد صلى الله عليه وسلم على الغيب وهو ما غاب من الوحي وخبر السماء.
بضنين: أي ببخيل وفي قراءة بالظاء اي بمتهم فيُنْقِصُ منه ولا يعطيه كلَّه.
وما هو بقول شيطان رجيم: أي وليس القرآن بقول شيطان مسترق للسمع مرجوم.
فأين تذهبون: أي فأيّ طريق تسلكون في إِنكاركم القرآن وإِعراضكم عنه.
ما هو إلا ذكر للعالمين: أي ما القرآن إلا موعظة للإِنس والجن.
أن يستقيم: أي يتحرى الحق ويعتقده ويعمل بمقتضاه.
وما تشاءون إلا أن يشاء الله: أي ومن شاء الاستقامة منكم فإِنه لم يشأها إلا بعد أن شاءها الله قبله إذ لو لم يشأها الله ما أشاءها عبده.
معنى الآيات:
لما قرر تعالى عقيدة البعث والجزاء بوصف كامل لأحداثها وكان الوصف من طريق الوحي فافتقر الموضوع إلى صحة الوحي والإِيمان به فإِذا صح الوحي وآمن به العبد آمن بصحة البعث والجزاء. ومن هنا أقسم تعالى بأعظم قسم على أن القرآن نزل به جبريل على محمد صلى الله عليه وسلم وما يقوله محمد صلى الله عليه وسلم هو كلام الله ووحيه وليس هو بمجنون يقول ما لا يدري ويهذر بما لا يعني ولا هو بقول شيطان رجيم ممن يسترقون السمع ويلقونه إلى إخوانهم من الكهان بل هو كلام الله صدقا وحقاً وما يخبر به كما يخبر صدق وحق فقال تعالى { فَلاَ } أي ليس الأمر كما تدعون بأن ما يقوله رسولنا هو من جنس ما تقوله الكهنة. ولا مما يقوله الشعراء، ولا هو بكلام مجانين. ولا هو سحر الساحرين أقسم بالخنس الجواري الكنس أي بكل ما يخنس ويجري ويكنس من الظباء وبقر الوحش والكواكب والدراري الخمسة عطارد والزهرة والمريخ والمشتري وزحل. والمراد من الخنوس الاختفاء والكنوس إيواءها إلى مكانسها مواضع إيوائها. وقوله { وَٱللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ } أي أقسم بالليل إذا أقبل أو أدبر إذ لفظ عسعس بمعنى أقبل وأدبر فهو لفظ مشترك بين الإِقبال والإِدبار { وَٱلصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ } أي امتد ضوءه فصار نهاراً بيناً أقسم بكل هذه المذكرات على أن القرآن الذي يصف لكم البعث والجزاء حق الوصف هو قول رسول كريم أي جبريل الكريم على ربّه ذي قوة لا يقادر قدرها فلا يقدر إنس ولا جن على انتزاع ما عنده من الوحي ولا على زيادة فيه أو نقص منه. عند ذي العرش سبحانه وتعالى مكين أي ذي مكانة محترمة مطاع في السماوات أمين على الوحي هذا أولاً وثانياً والله وما صاحبكم محمد صلى الله عليه وسلم { بِمَجْنُونٍ } كما تقولون { وَلَقَدْ رَآهُ } أي رأى محمد صلى الله عليه وسلم جبرل بالأفق المبين رآه على صورته التي خلقه الله عليها وله ستمائة جناح رآه بالأفق ناحية الشرق وقد سد الأفق كله، والأفق بيّن والنهار طالع. { وَمَا هُوَ } أي محمد صلى الله عليه وسلم { عَلَى ٱلْغَيْبِ بِضَنِينٍ } أي بمظنون فيه التهمة بأن يزيد فيه أو ينقص منه أو يبدل أو يغير كما هو ليس ببخيل فيظن فيه أنه يكتم منه شيئاً أو يخفيه بخلا به أو ينقص منه شحاً به وبخلاً. { وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَّجِيمٍ } ممن يسترقون السمع ويلقونه إلى أوليائهم من الإِنس فيخلطون فيه ويكذبون. وقوله تعالى: { فَأيْنَ تَذْهَبُونَ } ينكر عليهم مسلكهم الشائن في تكذيب رسوله محمد صلى الله عليه وسلم واتهامه بالسحر، والقرآن بالشعر والكهانة والأساطير. وقوله إن هو إلا ذكر للعالمين أي ما القرآن الكريم إلا ذكر للعالمين من الإِنس والجن يذكرون به خالقهم ورازقهم ومحييهم ومميتهم وما له عليهم من حق العبادة وواجب الشكر ويتعظون به فيخافون ربهم فلا يعصونه بترك فرائضه عليهم ولا بارتكاب ما حرمه عليهم وقوله تعالى لمن شاء منكم أن يستقيم على منهاج الحق فيتحرى الحق أولا ويؤمن به ويعمل بمقتضاه ثانيا. ولما سمع أبو جهل هذه الآية { لِمَن شَآءَ مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ } قال الأمر إلينا إن شئنا استقمنا وإن شئنا لم نستقم. أنزل تعالى قوله { وَمَا تَشَآءُونَ إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ } فاكبت اللعين فاعلم أن من شاء الاستقامة من العالمين لم يشأها إلا بعد أن شاءها الله تعالى له ولو لم يشأها الله تعالى والله ما شاءها العبد أبدا إذ مشيئة الله سابقة لمشيئة العبد، وفي كل ما يشاؤه الإِنسان فإِن مشيئة الله سابقة لمشيئته لأن الإِنسان عبد والله رب والرب لا مشيئة تسبق مشيئته.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
1- مشروعية الإِقسام بالله تعالى وأسمائه وصفاته.
2- تقرير الوحي وإثبات النبوة المحمدية.
3- بيان صفات جبريل الكمالية الأمانة، القوة، علو المكانة، الطاعة، الكرم.
4- براءة الرسول مما اتهمه به المشركون.
5- بيان أن مشيئة الله سابقة لمشيئة العبد. فلا يقع في ملك الله تعالى إلا ما يريد.