التفاسير

< >
عرض

وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَآئِقَ وَمَا كُنَّا عَنِ ٱلْخَلْقِ غَافِلِينَ
١٧
وَأَنزَلْنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّٰهُ فِي ٱلأَرْضِ وَإِنَّا عَلَىٰ ذَهَابٍ بِهِ لَقَٰدِرُونَ
١٨
فَأَنشَأْنَا لَكُمْ بِهِ جَنَّاتٍ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ لَّكُمْ فِيهَا فَوَاكِهُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ
١٩
وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِن طُورِ سَيْنَآءَ تَنبُتُ بِٱلدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِّلآكِلِيِنَ
٢٠
-المؤمنون

تفسير تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان

لما ذكر تعالى خلق الآدمي، ذكر سكنه، وتوفر النعم عليه من كل وجه فقال: { وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ } سقفا للبلاد، ومصلحة للعباد { سَبْعَ طَرَائِقَ } أي: سبع سماوات طباقا، كل طبقة فوق الأخرى، قد زينت بالنجوم والشمس والقمر، وأودع فيها من مصالح الخلق ما أودع، { وَمَا كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غَافِلِينَ } فكما أن خلقنا عام لكل مخلوق، فعلمنا أيضا محيط بما خلقنا، فلا نغفل مخلوقا ولا ننساه، ولا نخلق خلقا فنضيعه، ولا نغفل عن السماء فتقع على الأرض، ولا ننسى ذرة في لجج البحار وجوانب الفلوات، ولا دابة إلا سقنا إليها رزقها { { وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأرْضِ إِلا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا } وكثيرا ما يقرن تعالى بين خلقه وعلمه كقوله: { { أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ } } { { بَلَى وَهُوَ الْخَلاقُ الْعَلِيمُ } لأن خلق المخلوقات، من أقوى الأدلة العقلية، على علم خالقها وحكمته.
{ وَأَنزلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً } يكون رزقا لكم ولأنعامكم بقدر ما يكفيكم، فلا ينقصه، بحيث لا يكفي الأرض والأشجار، فلا يحصل منه المقصود، ولا يزيده زيادة لا تحتمل، بحيث يتلف المساكن، ولا تعيش معه النباتات والأشجار، بل أنزله وقت الحاجة لنزوله ثم صرفه عند التضرر من دوامه، { فَأَسْكَنَّاهُ فِي الأرْضِ } أي: أنزلناه عليها، فسكن واستقر، وأخرج بقدرة منزله، جميع الأزواج النباتية، وأسكنه أيضا معدا في خزائن الأرض، بحيث لم يذهب نازلا حتى لا يوصل إليه، ولا يبلغ قعره، { وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ } إما بأن لا ننزله، أو ننزله، فيذهب نازلا لا يوصل إليه، أو لا يوجد منه المقصود منه، وهذا تنبيه منه لعباده أن يشكروه على نعمته، ويقدروا عدمها، ماذا يحصل به من الضرر، كقوله تعالى:
{ { قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ } }.
{ فَأَنْشَأْنَا لَكُمْ بِهِ } أي: بذلك الماء { جَنَّاتٍ } أي: بساتين { مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ } خص تعالى هذين النوعين، مع أنه ينشئ منه غيرهما من الأشجار، لفضلهما ومنافعهما، التي فاقت بها الأشجار، ولهذا ذكر العام في قوله: { لَكُمُ فيها } أي: في تلك الجنات { فَوَاكِهُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ } من تين، وأترج، ورمان، وتفاح وغيرها ، { وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ } وهي شجرة الزيتون، أي: جنسها، خصت بالذكر، لأن مكانها خاص في أرض الشام، ولمنافعها، التي ذكر بعضها في قوله: { تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِلآكِلِينَ } أي: فيها الزيت، الذي هو دهن، يستعمل استعماله من الاستصباح به، واصطباغ الآكلين، أي: يجعل إداما للآكلين، وغير ذلك من المنافع.