لما أخبر عن رسالة الرسل صلوات الله وسلامه عليهم وأخبر برسالة خاتمهم محمد، وشهد بها وشهدت ملائكته -لزم من ذلك ثبوت الأمر المقرر والمشهود به، فوجب تصديقهم، والإيمان بهم واتباعهم.
ثم توعد من كفر بهم فقال: { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ } أي: جمعوا بين الكفر بأنفسهم وصدِّهم الناس عن سبيل الله. وهؤلاء هم أئمة الكفر ودعاة الضلال { قَدْ ضَلُّوا ضَلالا بَعِيدًا } وأي ضلال أعظم من ضلال من ضل بنفسه وأضل غيره، فباء بالإثمين ورجع بالخسارتين وفاتته الهدايتان، ولهذا قال: { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا } وهذا الظلم هو زيادة على كفرهم، وإلا فالكفر عند إطلاق الظلم يدخل فيه.
والمراد بالظلم هنا أعمال الكفر والاستغراق فيه، فهؤلاء بعيدون من المغفرة والهداية للصراط المستقيم. ولهذا قال: { لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا * إِلا طَرِيقَ جَهَنَّمَ }.
وإنما تعذرت المغفرة لهم والهداية لأنهم استمروا في طغيانهم وازدادوا في كفرانهم فطبع على قلوبهم وانسدت عليهم طرق الهداية بما كسبوا { وَمَا رَبُّكَ بِظَلامٍ لِلْعَبِيدِ }.
{ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا } أي لا يبالي الله بهم ولا يعبأ لأنهم لا يصلحون للخير ولا يليق بهم إلا الحالة التي اختاروها لأنفسهم.