لما ذكر تعالى ما يقابل به العدو من الإنس، وهو مقابلة إساءته بالإحسان، ذكر ما يدفع به العدو الجني، وهو الاستعاذة بالله، والاحتماء من شره فقال:
{ وَإِمَّا يَنزغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نزغٌ } أي: أي وقت من الأوقات، أحسست بشيء من نزغات الشيطان، أي: من وساوسه وتزيينه للشر، وتكسيله عن الخير، وإصابة ببعض الذنوب، وإطاعة له ببعض ما يأمر به { فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ } أي: اسأله، مفتقرًا إليه، أن يعيذك ويعصمك منه، { إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ } فإنه يسمع قولك وتضرعك، ويعلم حالك واضطرارك إلى عصمته وحمايته.
ثم ذكر تعالى أن { مِنْ آيَاتِهِ } الدالة على كمال قدرته، ونفوذ مشيئته، وسعة سلطانه، ورحمته بعباده، وأنه الله وحده لا شريك له { اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ } هذا بمنفعة ضيائه، وتصرف العباد فيه، وهذا بمنفعه ظلمه، وسكون الخلق فيه. { وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ } اللذان لا تستقيم معايش العباد، ولا أبدانهم، ولا أبدان حيواناتهم، إلا بهما، وبهما من المصالح ما لا يحصى عدده.
{ لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ } فإنهما مدبران مسخران مخلوقان. { وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الذي خلقهن } أي: اعبدوه وحده، لأنه الخالق العظيم، ودعوا عبادة ما سواه، من المخلوقات، وإن كبر، جرمه وكثرت مصالحه، فإن ذلك ليس منه، وإنما هو من خالقه، تبارك وتعالى. { إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ } فخصوه بالعبادة وإخلاص الدين له.
{ فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا } عن عبادة الله تعالى، ولم ينقادوا لها، فإنهم لن يضروا الله شيئًا، والله غني عنهم، وله عباد مكرمون، لا يعصون الله ما أمرهم، ويفعلون ما يؤمرون، ولهذا قال: { فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ } يعني: الملائكة المقربين { يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ } أي: لا يملون من عبادته، لقوتهم، وشدة الداعي القوي منهم إلى ذلك.
{ وَمِنْ آيَاتِهِ } الدالة على كمال قدرته، وانفراده بالملك والتدبير والوحدانية، { أَنَّكَ تَرَى الأرْضَ خَاشِعَةً } أي: لا نبات فيها { فَإِذَا أَنزلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ } أي: المطر { اهْتَزَّتْ } أي: تحركت بالنبات { وَرَبَتْ } ثم: أنبتت من كل زوج بهيج، فيحيي به العباد والبلاد.
{ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا } بعد موتها وهمودها، { لَمُحْيِي الْمَوْتَى } من قبورهم إلى يوم بعثهم، ونشورهم { إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } فكما لم تعجز قدرته عن إحياء الأرض بعد موتها، لا تعجز عن إحياء الموتى.