التفاسير

< >
عرض

حَتَّىٰ إِذَا جَآءَ أَمْرُنَا وَفَارَ ٱلتَّنُّورُ قُلْنَا ٱحْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ ٱثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ ٱلْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَآ آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ
٤٠
-هود

محاسن التأويل

{ حَتَّى إِذَا جَاء أَمْرُنَا } أي: بإهلاك قومه. و: { حَتَّى } غاية لقوله ( ويصنع ) وما بينهما حال من الضمير فيه، و ( سخروا منه ) جواب ( كلما ): { وَفَارَ التَّنُّورُ } أي: وجه الأرض، أو كل مفجر ماء، أو محفل ماء الوادي، أو عين ماء معروفة، أو الكانون الذي يخبز فيه، أو تنوير الفجر - أقوال حكاها اللغويون والمفسرون - زاد بعضهم احتمال أن يكون هذا كناية عن اشتداد الأمر، كما يقال: ( حمي الوطيس ) والوطيس: التنور، وهو من فصيح الكلام وبليغه، وعندي أنه أظهر الأوجه المذكورة وأرقها وأبدعها وأبلغها، وإن حاول الرازي رده، كأنه قيل: واشتد الأمر، وقوي انهمار الماء ونبوعه. وهذا الإيجاز في مجازه الرهيب قد بينته آيات أخر، وهي: { { فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ } [القمر: 11 - 12] الآيات، ومما يؤيده شمولة لشدة الأمر من السماء والأرض فيطابق هذه الآيات. وأما غيره فمقصور على ناحية الأرض فقط، وجلي أن الأمر كان أعم - والله أعلم -.
{ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا } أي: في السفينة: { مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ } أي: صنفين من البهائم والطيور وما يدب على وجه الأرض: { اثْنَيْنِ } أي: ذكراً وأنثى.
قال أبو البقاء: يقرأ ( كُلِّ ) بالإضافة وفيه وجهان: أحدهما: أن مفعول ( احمِل ) ( اثنين ) و ( مِن ) حال. والثاني: أن ( مِن ) زائدة والمفعول ( كُلّ ) و ( اثنين ) توكيد. ويقرأ مِنْ كُلٍ ( بالتنوين )، فـ ( زوجين ) مفعول ( احمل ) و ( اثنين ) توكيد له، و ( مِن ) متعلقة بـ ( احمل ) أو حال. انتهى.
{ وَأَهْلَكَ } أي: من يتصل بك في دينك وسيرتك من أقاربك: { إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ } أي: وجب عليه: { الْقَوْلُ } أي: بالإغراق بسبب ظلمه { وَمَنْ آمَنَ } أي: احمله معك فيها.
قال أبو السعود: وإفراد الأهل منهم للاستثناء المذكور، وإيثار صيغة الإفراد في ( آمن ) محافظة على لفظ ( مَنْ ) للإيذان بقلتهم، كما أعرب عنه قوله عز قائلاً: { وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ }.