التفاسير

< >
عرض

وَدَخَلَ مَعَهُ ٱلسِّجْنَ فَتَيَانِ قَالَ أَحَدُهُمَآ إِنِّيۤ أَرَانِيۤ أَعْصِرُ خَمْراً وَقَالَ ٱلآخَرُ إِنِّي أَرَانِيۤ أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزاً تَأْكُلُ ٱلطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ ٱلْمُحْسِنِينَ
٣٦
-يوسف

محاسن التأويل

{ وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانَ } روي أنهما غلامان كانا لفرعون مصر، أحدهما رئيس سقاته، والآخر رئيس طعامه، غضب عليهما فحبسهما، فكانا مع يوسف. ثم رآهما يوماً وهما مهمومان، فسألهما عن شأنهما، فذكرا له أنهما رأيا رؤيا غمتهما، وليس لهما من يعبرها. فقال لهما: أليس التأويل لله؟ قصَّا عليَّ! فذلك قوله تعالى: { قَالَ أَحَدُهُمَآ } وهو صاحب شرابه: { إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْراً } أي: عنباً، تسمية للعنب بما يؤول إليه، أو الخمر بلغة عمان: اسم للعنب، وذلك أنه قال: رأيت في المنام كأن بين يدي وعاءاً فيه ثلاثة قضبان عنب، ثم نضجت عناقيدها وصارت عنباً، وكانت كأس فرعون في يدي، فأخذت العنب، وعصرته في الكأس، وناولتها لفرعون.
{ وَقَالَ الآخَرُ } وهو صاحب طعامه: { إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزاً تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ } وذلك أنه قال له: رأيت كأن فوق رأسي ثلاث سلال حُواري، والطير تأكل من السلة العليا فوق رأسي.
{ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ } أي: أخبرنا بتفسير ما رأينا، وما يؤول إليه أمر هذه الرؤيا: { إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ } أي: الذين يحسنون عبارة الرؤيا، أو من المحسنين إلى أهل السجن، تداوي مريضهم، وتعزي حزينهم، وتوسع على فقيرهم، فأحسن إلينا بكشف غمتنا، إن كنت قادراً على ذلك.
ثم أشار، عليه السلام، لهما بأن ما رأياه سهل التأويل، لوجود مثاله في المنام، وأن له علماً فوقه، وهو أن يبين لهما كل جليل ودقيق من الأمور المستقبلة، وإن لم يكن هناك مقدمة المنام، حتى إن الطعام الموظف الذي يأتيهما كل يوم، يبينه لهما قبل إتيانه، وإن ذلك ليس من باب الكهانة، بل من الفضل الرباني لمن يصطفيه بالنبوة، وهذا معنى قوله تعالى:
{ قَالَ لاَ يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلاَّ نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَن يَأْتِيكُمَا ... }.