التفاسير

< >
عرض

ٱللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَىٰ وَمَا تَغِيضُ ٱلأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ
٨
عَالِمُ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَادَةِ ٱلْكَبِيرُ ٱلْمُتَعَالِ
٩
-الرعد

محاسن التأويل

{ اللّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَى } جملة مستأنفة، جواب سؤال وهو: لماذا لم يجابوا لمقترحهم فتنقطع حجتهم فلعلهم يهتدون بأنه آمر مدبر عليم نافذ القدرة فعال لما تقتضيه حكمته البالغة دون آرائهم السخيفة؟ وهذا على أن ( الهادي ) بمعنى ( الداعي إلى الحق ).
وإن كان المراد به الله سبحانه؛ فالجملة تفسير لقوله ( هاد ) أو مقررة مؤكدة لذلك. كذا في " العناية ".
وأشار الرازي إلى أن الآية: إما متصلة بما قبلها مشيرة إلى أنه تعالى واسع العلم لا يخفى عليه أن اقتراحهم عناد وتعنت، وأنهم لا يزدادون بإظهار مقترحهم إلا عناداً، فلذا لم يجابوا إليه. وإما متصلة بقوله: { وَيَسْتَعْجِلُونَكَ } يعني أنه تعالى عالم بجميع المعلومات. فهو تعالى إنما ينزل العذاب بحسب ما يعلم أن فيه مصلحة.
ثم إن لفظ ( ما ) في قوله تعالى: { مَا تَحْمِلُ } مصدرية أو موصولة، أي: حملها، أو ما تحمله من الولد، على أي: حالة هو من ذكورة وأنوثة، وتمام وخداج، وحسن وقبح، وطول وقصر.... وغير ذلك من الأحوال الحاضرة والمترقبة.
{ وَمَا تَغِيضُ الأَرْحَامُ } أي: تنقص من الحمل: { وَمَا تَزْدَادُ } أي: تأخذه زائداً.
قال الزمخشري: ومما تنقصه الرحم وتزداده عدد الولد؛ فإنها تشمل على واحد، وقد تشتمل على اثنين وثلاثة وأربعة. ويروى أن شريكاً كان رابع أربعة في بطن أمه، ومنه جسد الولد فإنه يكون تاماً ومخدجاً. ومنه مدة ولادته، فإنها تكون أقل من تسعة أشهر وأزيد عليها، ومنه الدم فإنها يقل ويكثر.
{ وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ } أي: بقدر وحدٍّ لا يجاوزه حسب قابليته، كقوله تعالى:
{ { إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ } [القمر: 49]، وقوله: { { وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً } [الفرقان: 2]، وذلك أنه تعالى خص كل مكون بوقت وحل معينين، وهيأ لوجوده وبقائه أسباباً مسوقة إليه تقتضي ذلك: { عَالِمُ الْغَيْبِ } أي: ما غاب عن الحس: { وَالشَّهَادَةِ } أي: ما شهده الحس: { الْكَبِيرُ } أي: العظيم الشأن الذي كل شيء دونه: { الْمُتَعَالِ } أي: المستعلي على كل شيء بقدرته. أو المنزه عن صفات المخلوقين، المتعالي عنها.
وأكثر القراء على حذف ياء: { الْمُتَعَالِ } تخفيفاً، وصلاً ووقفاً، وقرئ بإثباته فيهما على الأصل.