التفاسير

< >
عرض

وَٱصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِٱللَّهِ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلاَ تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ
١٢٧
إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ وَّٱلَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ
١٢٨
-النحل

محاسن التأويل

{ وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللّهِ } أي: بمعونته وتوفيقه: { وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ } أي: على الكافرين، أي: على كفرهم وعدم هدايتهم: { وَلاَ تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ } أي: في ضيق صدر مما يمكرون من فنون المكايد { إِنَّ اللّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ } تعليل لما قبله. أي: فإنه تعالى كافيك وناصرك ومؤيدك ومظفرك بهم؛ لأنه تعالى مع المتقين والمحسنين بالمعونة والنصر والتأييد، فيحفظهم ويكلؤهم ويظهرهم على أعدائهم. قال ابن كثير: هذهمُعَيَّة خاصة كقوله تعالى: { { إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا } [الأنفال: 12]. وقوله لموسى وهارون: { { لا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى } [طه: 46]. وأما المعية العامة فالسمع والبصر والعلم كقوله تعالى: { { وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُم } [الحديد: 4]، وقوله: { { مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا } [المجادلة: 7].
قال أبو السعود: تكرير الموصول للإيذان بكفاية كل من الصلتين في ولايته سبحانه، من غير أن تكون إحداهما تتمة للأخرى. وإيراد الأولى فعلية للدلالة على الحدوث. كما أن إيراد الثانية اسمية لإفادة كون مضمونها شيمة راسخة فيهم. وتقديم التقوى على الإحسان لما أن التخلية متقدمة على التحلية. والمراد بالموصولين إما جنس المتقين والمحسنين، وهو صلى الله عليه وسلم داخل في زمرتهم دخولاً أولياً. وإما هو صلى الله عليه وسلم ومن شايعه. عبَّر عنهم بذلك، مدحاً لهم وثناءً عليهم بالنعتين الجميلين. وفيه رمز إلى أن صنيعه صلى الله عليه وسلم مستتبع لإقتداء الأمة به، كقول من قال لابن عباس رضي الله عنهما، عند التعزية بأبيه العباس:

اصبر نكن بك صابرين فإنما صبر الرعية عند صبر الرَّاسِ

وبعد هذا البيت:

خير من العباس أجرك بعده والله خير منك للعباس

قال ابن عباس: ما عزاني أحد من تعزيته.
وعن هَرِم بن حيان أنه قيل له حين الاحتضار: أوص. قال: إنما الوصية من المال، فلا مال لي. وأوصيكم بخواتيم سورة النحل.