التفاسير

< >
عرض

وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظاً وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ ٱليَمِينِ وَذَاتَ ٱلشِّمَالِ وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِٱلوَصِيدِ لَوِ ٱطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَاراً وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً
١٨
-الكهف

محاسن التأويل

{ وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظاً وَهُمْ رُقُودٌ } خطاب لكل أحد. أي: تظنهم، يا مخاطب، أيقاظا لانفتاح أعينهم، وهم رقود مستغرقون في النوم، بحيث لا ينبههم الصوت. قال ابن كثير: ذكر بعض أهل العلم أنهم لما ضرب الله على آذانهم بالنوم لم تنطبق أعينهم لئلا يسرع إليها البلى. فإذا بقيت ظاهرة للهواء كان أبقى لها. و قد ذكر عن الذئب أنه ينام فيطبق عينا و يفتح عينا. ثم يفتح هذه و يطبق هذه وهو راقد. كما قال الشاعر:

ينامُ بإِحدى مُقلتيهِ وَيَتَّقِي بأخْرى الرَّزايا فَهُو يقظانُ نائمُ

و: { أَيْقَاظَاً } جمع يقظ و يقظان. و: { رُقُودٌ } جمع راقد. وما قيل أنه مصدر أطلق على الفاعل واستوى فيه القليل والكثير كركوع وقعود، لأن فاعلاً لا يجمع على فعول - مردود بما نص عليه النحاة كما صرّح به في "المفضل" و "التسهيل".
{ وَنُقَلِّبُهُمْ } أي: في رقدتهم: { ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ } أي: لئلا تتلف الأرض أجسادهم: { وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ } أي: بفناء الكهف أو الباب. وقد شملت بركتهم كلبهم. فأصابه ما أصابهم من النوم على تلك الحال، قال ابن كثير: وهذا فائدة صحبة الأخيار. فإنه صار لهذا الكلب ذكر وخبر وشأن. وقد قيل أنه كان كلب صيد لهم وهو الأشبه. واختلفوا في لونه على أقوال لا حاصل لها ولا طائل تحتها ولا دليل عليها ولا حاجة إليها. بل هي مما نهي عنه. فإن مستندها رجم بالغيب. ووجود الكلب على هذه الحالة من العناية بهم. فكما حفظهم بالتقليب عن إهلاك الأرض، حفظهم عن الأعداء بكلب، ليهابوهم مع هيبةٍ ذاتيةٍ لهم. كما قال تعالى: { لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ } أي: فنظرت إليهم، مع غاية قوتك في مكافحة الحروب: { لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَاراً وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً } أي: خوفا يملأ صدرك، لما ألبسوا من الهيبة. فلا يقع نظر أحد عليهم إلا هابهم وخافهم. وذلك - كما قال ابن كثير: لئلا يدنو منهم أحد ولا تمسهم يد لامس، حتى يبلغ الكتاب أجله و تنقضي رقدتهم التي شاءها تبارك وتعالى فيهم. لما له في ذلك من الحكمة البالغة والرحمة الواسعة. وقوله تعالى: { وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ... }.