التفاسير

< >
عرض

فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ ٱللَّهُ مَرَضاً وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ
١٠
-البقرة

محاسن التأويل

المرض: السقم، وهم نقيض الصحة، بسبب ما يعرض للبدن، فيخرجه عن الاعتدال اللائق به، ويوجب الخلل في أفاعيله، استعير هاهنا لعدم صحة يقينهم، وضعف دينهم - وكذا توصف قلوب المؤمنين بالسلامة التي هي صحة اليقين، وعدم ضعفه، كما قال تعالى: { { إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ } [الشعراء: 89]. أي: غير مريض بما ذكرنا - أو استعير لشكّهم، لأن الشك تردُّد بين الأمرين، و المنافق متردّدٌ، كما في الحديث " مثل المنافق كمثل الشاة العائرة بين الغنمين " و المريض متردد بين الحياة والموت. { { فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً } [البقرة: 10] بأن طبع على قلوبهم، لعلمه تعالى بأنه لا يؤثر فيها التذكير و الإنذار. وقال القاشاني: أي: مرضاً آخر - حقداً وحسداً وغلاًّ - بإعلاء كلمة الدين، ونصرة الرسول والمؤمنين - ثم قال: و الرذائل كلها أمراض القلوب، لأنها أسباب ضعفها وآفتها في أفعالها الخاصة، وهلاكها في العاقبة.
{ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } أي: مؤلمٌ - بكسر اللام - فعيل بمعنى فاعل - كسميع وبصير - قال في المحكم: الأليم من العذاب الذي يبلغ إيجاعهُ غابة البلوغ. ومنه يُعلم وجه إيثاره في عذاب المنافقين على العظم المتقدم في وصف عذاب الكافرين ويؤيده:
{ { إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرا } [النساء: 145].
{ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ } الباء للسببية أو للمقابلة - أي: بسبب كذبهم أو بمقابلته - وهو قولهم: آمنا بالله وباليوم الآخر، وهم غير مؤمنين. وفيه رمز إلى قبح الكذب، وسماجته، وتخييل أن العذاب الأليم لاحق بهم من أجل كذبهم - مع إحاطة علم السامع بأنَّ لحوق العذاب بهم من جهات شتى - ونحوه قوله تعالى:
{ { مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا } [نوح: 25]. - والقوم كفرة - وإنما خصّت الخطيئات استعظاماً لها، وتنفيراً عن ارتكابها.