التفاسير

< >
عرض

خَتَمَ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهمْ وَعَلَىٰ سَمْعِهِمْ وَعَلَىٰ أَبْصَٰرِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عظِيمٌ
٧
-البقرة

محاسن التأويل

استنئاف معلّل لما سبق من الحكم، أو بيانٌ وتأكيدٌ له، والختم على الشيء: الاستيثاق منه بضرب الخاتم عليه. والمراد: إحداث حالة تجعلها - بسبب تماديهم في الغي، وانهماكهم في التقليد، وإعراضهم عن منهاج النظر الصحيح - بحيث لا يؤثر فيها الإنذار، ولا ينفذ فيها الحق أصلاً.
قال أبو السعود: وإسناد إحداث تلك الحالة في قلوبهم إلى الله تعالى، لاستناد جميع الحوادث عندنا - من حيث الخلق - إليه سبحانه. وورود الآية الكريمة ناعية عليهم سوء صنيعهم، ووخامة عاقبتهم، لكون أفعالهم - من حيث الكسب - مستندة إليهم، فإن خلْقها منه سبحانه ليس بطريق الجبر، بل بطريق الترتيب - على ما اقترفوه من القبائح - كما يعرب عنه قوله تعالى:
{ { بَلْ طَبَعَ اللّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ } [النساء: 155] ونحو ذلك، يعني كقوله تعالى: { { فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ } [الصف: 5] وقوله: { { وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُواْ بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ } [الأنعام: 110].
وأما المعتزلة فقد سلكوا مسلك التأويل، وذكروا في ذلك عدة من الأقاويل.
منها: أن القوم لما أعرضوا عن الحق، وتمكن ذلك في قلوبهم، حتى صار كالطبيعة لهم، شبه بالوصف الخلقيّ المجبول عليه.
ومنها: أن المراد به تمثيل قلوبهم بقلوب البهائم التي خلقها الله تعالى خالية عن الفطن، أو بقلوب قدّر ختم الله تعالى عليها. كما في: سال به الوادي - إذا هلك - وطارت به العنقاء - إذا طالت غيبته -.
ومنها: أن أعراقهم لما رسخت في الكفر، واستحكمت، بحيث لم يبق إلى تحصيل إيمانهم طريق سوى الإلجاء والقسر، ثم لم يفعل ذلك محافظةً على حكمة التكليف، عبر عن ذلك بالختم، لأنه سدٌّ لطريق إيمانهم بالكلية.
وفيه إشعار بترامي أمرهم في الغي والعناد.
ومنها: أن ذلك حكاية لما كانت الكفرة يقولونه. مثل قولهم:
{ { وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ } [فصلت: 5]. تهكماً بهم.
ومنها: أن ذلك في الآخرة، وإنما أخبر عنه بالماضي لتحقق وقوعه. ويعضده قوله تعالى:
{ { وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً } [الإسراء: 97]. انتهى ملخصاً.
فائدة:
قال الراغب: المراد بالقلب في كثير من الآيات العقل والمعرفة.