التفاسير

< >
عرض

وَإِذَا لَقُواْ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ قَالُوۤاْ آمَنَّا وَإِذَا خَلاَ بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ قَالُوۤاْ أَتُحَدِّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ ٱللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَآجُّوكُم بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ
٧٦
-البقرة

محاسن التأويل

{ وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ } أي: بالله ورسوله من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: { قَالُواْ آمَنَّا } أي: بأنكم على الحق، وأن محمداً هو الرسول المبشر به، وكأنهم يقولون ذلك إرضاءً لحلفائهم من الأوس والخزرج، أو جهراً بحقيقةٍ لا يسعهم أمام حلفائهم السكوتُ عنها { وَإِذَا خَلاَ بَعْضُهُمْ } يعني الذين لم ينافقوا: { إِلَىَ بَعْضٍ } أي: الذين نافقوا: { قَالُواْ } أي: عاتبين عليهم: { أَتُحَدِّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ اللّهُ عَلَيْكُمْ } أي: بما بيّن لكم في التوراة من البشارة بالنبي صلى الله عليه وسلم، والإيمان بالنبي الذي يجيئكم مصدقاً لما معكم، ونصره.
قال ابن إسحاق: أي: أتقرّون بأنه نبيّ، وقد علمتم أنه أُخذ له الميثاق عليكم باتباعه، وهو يخبرهم أنه النبيّ الذي نجده في كتابنا، اجحدوه ولا تُقرّوا به.
قال ابن جرير: أصل الفتح في كلام العرب القضاء والحكم. والمعنى: أتحدثونهم بما حكم الله به عليكم وقضاه فيكم؟ ومن حكمه تعالى وقضائه فيهم، ما أخذ به ميثاقكم من الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم، وبما جاء به في التوراة.
{ لِيُحَآجُّوكُم } متعلقة بالتحديث، دون الفتح، أي: ليقيم المؤمنون به عليكم الحجة: { بِهِ عِندَ رَبِّكُمْ } أي: لتكون الحجة للمؤمنين عليكم في الآخرة، فيقولون: ألم تحدثونا بما في كتابكم، في الدنيا، من حقيّة ديننا، وصدق نبينا؟ فيكون ذلك زائداً في ظهور فضيحتكم، وتوبيخكم على رؤوس الخلائق، في الموقف ؛ لأنه ليس من اعتراف بالحق، ثم كتم، كمن ثبت على الإنكار. وتأول الراغب الأصفهانيّ قوله تعالى: { عند ربّكم } أي: في حكمه وكتابه كما هو وجهٌ في آية:
{ { فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ } [النور: 13] أي: في حكم الله وقضائه، وهو وجه جيد، وقوله: { أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } من تمام التوبيخ والعتاب، فهو من جملة الحكاية عنهم على سبيل إنكار بعضهم على بعض. قال الراغب: ويصح أن تكون استئناف إنكار من الله عز وجل، على سبيل ما يسمى في البلاغة: الالتفات. ويصح أن يكون ذلك خطاباً للمؤمنين، تنبيهاً على ما يفعله الكفار والمنافقون.