التفاسير

< >
عرض

قُلْ إِن كَانَتْ لَكُمُ ٱلدَّارُ ٱلآخِرَةُ عِندَ ٱللَّهِ خَالِصَةً مِّن دُونِ ٱلنَّاسِ فَتَمَنَّوُاْ ٱلْمَوْتَ إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ
٩٤
-البقرة

محاسن التأويل

{ قُلْ } كرر الأمر بتبكيتهم لإظهار نوع آخر من أباطيلهم، وهو ادعاؤهم أن الدار الآخرة خالصة لهم من دون الناس، لكنه لم يُحك عنهم قبل الأمر بإبطاله، بل اكتفى بالإشارة إليه في تضاعيف الكلام بقوله: { إِن كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الآَخِرَةُ عِندَ اللّهِ خَالِصَةً }، نصب على الحال من الدار الآخرة، والمراد الجنة ؛ أي: سالمة لكم، خاصة بكم، ليس لأحد سواكم فيها حق كما تقولون: { { لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُوداً } [ البقرة: 111 ].
{ مِّن دُونِ النَّاسِ } اللام للجنس أو للعهد وهم المسلمون: { فَتَمَنَّوُاْ الْمَوْتَ } فسلوا الموت: { إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } لأن من أيقن أنه من أهل الجنة اشتاق إليها، وتمنى سرعة الوصول إلى النعيم، والتخلص من الدار ذات الأكدار، ولا سبيل إلى ذلك إلا بالموت. والذي يتوقف عليه المطلوب لا بد وأن يكون مطلوباً، نظراً إلى كونه وسيلة إلى ذلك المطلوب. والمراد بالتمني هنا هو التلفظ بما يدل عليه كما أشرنا إليه، لا مجرد خطوره بالقلب، وميل النفس إليه، فإن ذلك لا يراد في مقام المحاجّة، ومواطن الخصومة، ومواقف التحدي لأنه من ضمائر القلوب، وثَمَّ تفسير آخر للتمني بأن يُدعَوا إلى المباهلة، والدعاء بالموت. وإليه ذهب ابن جرير. والأول أقرب إلى موافقة اللفظ. و قوله تعالى:
{ وَلَن يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ... }.