{ وَأَنَا اخْتَرْتُكَ } أي: اصطفيتك للنبوة: { فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى } أي: للذي يوحي. أو للوحي. ثم بينه بقوله: { إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي } أي: خصني بالعبادة: { وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي } أي: لتذكرني فيها بقلبك ولسانك وسائر جوارحك، بأن تجعل حركاتها دالة على ما في القلب واللسان. قال أبو السعود: خصت الصلاة بالذكر وأفردت بالأمر بالعبادة، لفضلها وإنافتها على سائر العبادات، بما نيطت به من ذكر المعبود وشغل القلب واللسان بذكره. وذلك قوله تعالى: { لِذِكْرِي } أي: لتذكرني. فإن ذكري كما ينبغي لا يتحقق إلا في ضمن العبادة والصلاة. أو لتذكرني فيها لاشتمالها على الأذكار. أو لذكري خاصة لا تشوبه بذكر غيري. أو لإخلاص ذكري وابتغاء وجهي. لا ترائي بها، ولا تقصد بها غرضاً آخر. أو لتكون ذاكراً لي غير ناس. انتهى
ثم أشار إلى وجوب إفراده بالعبادة وإقامة الصلاة لذكره. بقوله: { إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ } أي: واقعة لا محالة: { أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى } أي: بسعيها عن اختيار منها. واللام متعلقة بآتية. ولما كان خفاء الساعة من اليقينيات وفي كاد معنى القرب من ذلك، لعدم وضعها للجزم بالفعل، تأولوا الآية على وجوه:
أحدها: أن كَادَ منه تعالى واجب. والمعنى أنا أخفيها عن الخلق. كقوله: { { عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيباً } [الإسراء: 51]، أي: هو قريب.
ثانيها: قال أبو مسلم: أَكَادُ بمعنى أريد كقوله: { { كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ } [يوسف: 76].
ومن أمثالهم المتداولة: لا أفعل ذلك ولا أكاد , أي: ولا أريد أن أفعله. قال الشهاب: تفسير أَكَادُ بأريد هو أحد معانيها. كما نقله ابن جني في "المحتسب" عن الأخفش. واستدلوا عليه بقوله
كادتْ وكدتُ وتلك خيرُ إرادةٍٍ لو عاد من لَهْوِ الصِّبابِة مَا مَضَى
بمعنى أرادت. لقوله: تلك خير إرادة.
ثالثها: أن أَكَادُ صلة في الكلام. قال زيد الخيل.
سريعٌ إِلى الهيجاء شاكٍ سلاحُهُ فما إِنْ يَكَادُ قِرْنُهُ يَتَنَفَّسُ
رابعها: أن المعنى أكاد أخفيها فلا أذكرها إِجمالاً ولا أقول هي آتية. وذلك لفرط إرادته تعالى إخفاءها. إلا أن في إِجمال ذكرها حكمة، وهي اللطف بالمؤمنين، لحثهم على الأعمال الصالحة، وقطع أعذار غيرهم حتى لا يعتذروا بعدم العلم. وثمة وجوه أخر لا تخلو من تكلف، وإن اتسع اللفظ لها. وقوله تعالى: { فَلا يَصُدَّنَّكَ .... }.