التفاسير

< >
عرض

ومِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي ٱللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلاَ هُدًى وَلاَ كِتَابٍ مُّنِيرٍ
٨
ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ لَهُ فِي ٱلدُّنْيَا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ عَذَابَ ٱلْحَرِيقِ
٩
ذٰلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ وَأَنَّ ٱللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّٰمٍ لِّلعَبِيدِ
١٠
-الحج

محاسن التأويل

{ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدىً وَلا كِتَابٍ مُنِيرٍ } أي: يجادل في شأنه تعالى من غير تمسك بعلم ضروريّ ولا باستدلال ونظر صحيح، يهدي إلى المعرفة. ولا بوحي مظهر للحق. أي: بل بمجرد الرأي والهوى، وهذه الآية في حال الدعاة إلى الضلال من رؤوس الكفر المقلدين - بفتح اللام - كما أن ما قبلها في حال الضُّلّال الجهال المقلدين - بكسر اللام - فلا تكرار أو أنهما في الدعاة المضلين واعتبر تغاير أوصافهم فيها، فلا تكرار أيضاً.
قال في "الكشف": والأول أظهر وأوفق بالمقام. وكذا اختاره أبو مسلم فيما نقله عنه الرازيّ، ثم قال: فإن قيل كيف يصح ما قلتم، والمقلد لا يكون مجادلاً؟ قلنا: قد يجادل تصويباً لتقليده وقد يورد الشبهة الظاهرة إذا تمكن منها، وإن كان معتمده الأصليّ هو التقليد.
وقوله: { ثَانِيَ عِطْفِهِ } حال من فاعل يجادل أي: عاطفاً لجانبه إعراضاً واستكباراً عن الحق، إذا دعي إليه.
قال الزمخشريّ: ثنى العطف عبارة عن الكبر والخيلاء. كتصعير الخدّ وليّ الجيد. وقوله: { لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ } أي: ليصد عن دينه وشَرعه، متعلق بيجادل علة له: { لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ } أي: إهانة ومذلة، كما أصابه يوم بدر من الصغار والفشل: { وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ } أي: النار المحرقة: { ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ } على الالتفات، أو إرادة القول. أي: يقال له يوم القيامة: ذلك الخزي والتعذيب بسبب ما اقترفته من الكفر والضلال والإضلال. وإسنادُه إلى يديه، لما أن الاكتساب عادة يكون بالأيدي { وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ } أي: بل هو العدل في معاقبة الفجار، وإثابة الصالحين.