{ فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفاً يَتَرَقَّب ُ } أي: الاستقادة أو الأجناد: { فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ } أي استعانة فقتل من أجله منازعه القبطيّ: { يَسْتَصْرِخُهُ } أي: يستغيثه من قبطيّ آخر: { قَالَ لَهُ مُوسَى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ } أي: بمخاصمتك الناس مع عجزك، وجرّك إليهم ما لا تحمد عقباه: { فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُمَا } أي: لموسى وللإسرائيليّ، وهو القبطيّ: { قَالَ } أي: ذلك العدوّ وهو القبطيّ، لا الإسرائيليّ كما وهم: { يَا مُوسَى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْساً بِالْأَمْسِ إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّاراً فِي الْأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ } أي: بين الناس بالقول والفعل.
قال الزمخشري: الجبار الذي يفعل ما يريد من الضرب والقتل بظلم، لا ينظر في العواقب ولا يدفع بالتي هي أحسن { وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى } أي: يسرع لفرط حبه لموسى: { قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ } أي: يتشاورون بسببك: { لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ } أي: من حدّ مملكتهم: { إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفاً يَتَرَقَّبُ } أي: لحوق الطالبين: { قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ وَلَمَّا تَوَجَّهَ } أي: جعل وجهه: { تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ } أي: فلا يلحقني فيه الطالبون: { وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً } أي: جماعة كثيفة: { مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ } أي: مواشيهم: { وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ } أي: تمنعان مواشيهما عن الماء، لوجود من هو أقوى منهما عنده، فلا تتمكنان من السقي: { قَالَ مَا خَطْبُكُمَا } أي: ما شأنكما في الذود: { قَالَتَا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ } أي: عاداتنا أن لا نسقي حتى يصرف الرعاة مواشيهم عن الماء، عجزاً عن مساجلتهم، وحذراً من مخالطة الرجال: { وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ } أي: فيعجز عن الخروج والسقي. أي: ما لنا رجل يقوم بذلك إلا هو، وقد أضعفه الكبر، فاضطرنا الحال إلى ما ترى.