التفاسير

< >
عرض

فَخَرَجَ عَلَىٰ قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ ٱلَّذِينَ يُرِيدُونَ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا يٰلَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَآ أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ
٧٩
وَقَالَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ ٱللَّهِ خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً وَلاَ يُلَقَّاهَآ إِلاَّ ٱلصَّابِرُونَ
٨٠
فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ ٱلأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ ٱلْمُنتَصِرِينَ
٨١
وَأَصْبَحَ ٱلَّذِينَ تَمَنَّوْاْ مَكَانَهُ بِٱلأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ ٱللَّهَ يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلاۤ أَن مَّنَّ ٱللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لاَ يُفْلِحُ ٱلْكَافِرُونَ
٨٢
-القصص

محاسن التأويل

{ فَخَرَجَ } أي: قارون باغياً: { عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ } أي: مُغْتَرّاً بالنظر فيها: { قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا } أي: جرياً على سنن الجبلة البشرية، من الرغبة في السعة واليسار: { يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ } أي: مما تتمنونه: { لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً وَلا يُلَقَّاهَا } أي: هذه الكلمة التي فاه بها الذين أوتوا العلم. أو الجنة. أو السيرة والطريقة، وهي الإيمان والعمل الصالح: { إِلَّا الصَّابِرُونَ } أي: على الطاعات عن الشهوات، وعلى زمام النفس أن تجري في أعقاب المزخرفات. وويلك في الأصل دعاء بالهلاك. والمراد به هنا الزجر عن هذا التمني، مجازاً. وهو منصوب على المصدرية: { فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ } أي: المشتملة على أمواله: { الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ } أي: بدفع العذاب عنه: { وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ } أي: بقوة نفسه وما له: { وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ } أي: من شقيّ وسعيد: { وَيَقْدِرُ } أي: يقبض. فلا دلالة في البسط على السعادة. ولا في القبض على الشقاوة. بل يفعل سبحانه كل واحد من البسط والقَدْر بمحض مشيئته، لا لكرامة توجب البسط، ولا لهوان يقتضي القبض: { لَوْلا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا } أي: بعدم إيتائه متمنانا: { لَخَسَفَ بِنَا } أي: كما خسف به: { وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ } أي: لنعمة الله في صرفها في غير سبيلها. أو المكذبون برسله اغتراراً بزخارفهم.
فائدة:
في ويكأن مذاهب:
الأول: أن وي كلمة برأسها. وهي اسم فعل، معناها أعجب. أي: أنا. والكاف للتعليل. وأن وما في حيزها مجرورة بها. أي: أعجب لأن الله يبسط الرزق الخ. وقياس هذا القول أن يوقف على وي وحدها، وقد فعل ذلك الكسائيّ.
الثاني: أنه مركب من وي للتعجب وكأن للتشبيه. والمعنى: ما أشبه الأمر أن الله يبسط. أي: ما أشبه أمر الدنيا والناس مطلقاً إلى آخرٍ، أمرَ قارون وما شوهد من قصته. والأمر مأخوذ من الضمير. فإنه للشأن. والمراد من تشبيه الحال بهذه الحال، أنه لتحققه وشهرته، يصلح أن يشبه به كل شيء. كما أشار إليه في الكشف.
الثالث: قال بعضهم: كأن هنا للتشبيه. إلا أنه ذهب منها معناه. وصارت للخبر واليقين. وهذا أيضاً يناسبه الوقف على وي.
الرابع: زعم الهمداني في "الفرائد" أن مذهب سيبويه والخليل أن وي للتندم. وكأنّ للتعجب. والمعنى: ندموا متعجبين في أن الله يبسط الخ.
قال الشهاب: وكون كأن للتعجب، لم يعهد.
الخامس: ذهب الكوفيون إلى أنه مركب من ويك بمعنى ويلك فخفف بحذف اللام. والعامل في أن اعلم، المقدر. والكاف على هذا ضمير في محل جرّ. وهذا يناسب الوقف على الكاف. وقد فعله أبو عَمْرو.
السادس: أن ويك كلمة برأسها. والكاف حرف خطاب. ويقرب هذا مما قبله. قال أبو البقاء: وهو ضعيف لوجهين: أحدهما أن معنى الخطاب هنا بعيد. والثاني: أن تقدير وي اعلم، لا نظير له، وهو غير سائغ في كل موضع. انتهى.
السابع: أن ويكأن كلها كلمة مستقلة بسيطة. ومعناها ألم تر. وربما نقل ذلك عن ابن عباس. ونقل الفرّاء والكسائيّ أنها بمعنى: أما ترى إلى صنع الله , وحكى ابن قتيبة أنها بمعنى: رحمة لك في لغة حمير. ولم يرسم في القرآن إلا ويكأن وويكأنه متصلة في الموضعين. فعامة القراء اتبعوا الرسم. والكسائيّ وقف على وي وأبو عَمْرو على ويك.
وهذا ما يستفاد من حواشي القاضي والسمين. وعندي أنها مركبة من وي للتعجب وكأن التي للتحقيق وهي أحد معانيها المعروفة. والوقف على وي. ولا يشكل على ذلك كتابتها في المصاحف متصلة، لأن الكتابة - كما قال ابن كثير - أمر وضعيّ اصطلاحيّ، والمرجع إلى اللفظ العربي.
وقد اتفق اللغويون على أن وي كلمة تعجب. يقال ويك ووي لزيد , وتدخل على كأن المخففة والمشددة، ومن شواهد الأولى قول الشاعر:

سَالَتَانِي الطلاقَ. أَنْ رَأَتَانِي قَلَّ مَالي. قد جئتماني بنُكْرِ
ويْ كأنْ من يكُنْ لَه نَشَبٌ يُحْـ بَبْ ومن يَفْتَقِرْ يَعِشْ عيشَ ضُرِّ

وهذا البيت مما يدل على ما استظهرته، بلهَ الاستعمال إلى هذه الأجيال.
قال ابن كثير: وقد ذكر ههنا إسرائيليات، أضربنا عنها صفحاً. ونحن تأسينا به، بل فقناه في الإضراب عن كثير من مرويّه، الموقوف والضعيف الذي سوّدت به الصحف.
ثم أشار تعالى إلى مقابل حال قارون، من حال خلص عباده، بقوله سبحانه: { تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ... }.