التفاسير

< >
عرض

وَقَالُوۤاْ أَءِذَا ضَلَلْنَا فِي ٱلأَرْضِ أَءِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ بَلْ هُم بِلَقَآءِ رَبِّهِمْ كَافِرُونَ
١٠
قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ ٱلْمَوْتِ ٱلَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ
١١
وَلَوْ تَرَىٰ إِذِ ٱلْمُجْرِمُونَ نَاكِسُواْ رُءُوسِهِمْ عِندَ رَبِّهِمْ رَبَّنَآ أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَٱرْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ
١٢
-السجدة

محاسن التأويل

{ وَقَالُوا } أي: كفار مكة: { أَئِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ } أي: صرنا تراباً مخلوطاً بتراب الأرض لا نتميز منه، أو غبنا فيها: { أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ } أي: نجدد بعد الموت: { بَلْ هُم بِلِقَاء رَبِّهِمْ } أي: بالبعث بعد الموت للجزاء والحساب: { كَافِرُونَ } أي: جاحدون.
قال أبو السعود: إضراب وانتقال من بيان كفرهم بالبعث، إلى بيان ما هو أبلغ وأشنع منه، وهو كفرهم بالوصول إلى العاقبة، وما يلقونه فيها من الأحوال والأهوال جميعاً: { قُلْ } أي: بياناً للحق، وردّاً على زعمهم الباطل: { يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ } أي: يقبض أرواحكم: { ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ } أي: بالبعث للحساب والجزاء.
فائدة:
قال ابن أبي الحديد في "شرح نهج البلاغة" في هذه الآية: مذهب جمهور أصحابنا أن الروح جسم لطيف بخاريّ يتكوّن من ألطف أجزاء الأغذية، ينفذ في العروق، حالّةً فيها، وكذلك للقلب، وكذلك للكبد.
وعندهم أن لملك الموت أعواناً تقبض الأرواح بحكم النيابة عنه، لولا ذلك لتعذر عليه، وهو جسم أن يقبض روحين في وقت واحد في المشرق والمغرب؛ لأن الجسم الواحد لا يكون في مكانين، في وقت واحد. قال أصحابنا: ولا يبعد أن يكون الحفظة الكاتبون هم القابضون للأرواح عند انقضاء الأجل.
قالوا: وكيفية القبض، ولوج الملَك من الفم إلى القلب؛ لأنه جسم لطيف هوائي، لا يتعذر عليه النفوذ في المُخَارِق الضيقة، فيخالط الروح، التي هي كالشبيهة بها؛ لأنها بخاريّ، ثم يخرج من حيث دخل، وهي معه. وإنما يكون ذلك في الوقت الذي يأذن الله تعالى له فيه، وهو حضور الأجل.
فألزموا على ذلك أن يغوص الملَك في الماء مع الغريق ليقبض روحه تحت الماء، فالتزموا ذلك، وقالوا: ليس بمستحيل أن يتخلل الملَك الماء في مسامّ الماء، فإن فيه مسامّ ومنافذ، وفي كل جسم، على قاعدتهم في إثبات المسامّ في الأجسام.
قالوا: ولو فرضنا أنه لا مسامّ فيه، لم يبعد أن يلجه الملَك فيوسع لنفسه مكاناً، كما يلجه الحجر والسمك، وغيرهما. وكالريح الشديدة التي تقرع ظاهر البحر فتقعره وتحفره، وقوة الملك أشد من قوة الريح. انتهى.
والأولى الوقوف، فيما لم تعلم كيفيته، عند متلوّه وعدم مجاوزته، أدباً عن التهجم على الغيب وتورعاً عن محاولة مالا يُبلغ كنهه، وأسوة بما مضى عليه من لم يخض فيه، وهم الخيرة والأسوة، والله أعلم.
{ وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ } وهم القائلون تلك المقالة الشنعاء: { نَاكِسُو رُؤُوسِهِمْ عِندَ رَبِّهِمْ } أي: مطأطئوها من الحياء والخزي، لما قدمت أيديهم: { رَبَّنَا } أي: يقولون ربنا: { أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا } أي: علمنا ما لم نعلم، وأيقنا بما لم نكن به موقنين: { فَارْجِعْنَا } أي: إلى الدنيا: { نَعْمَلْ صَالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ } أي: مقرّون بك، وبكتابك، ورسولك، والجزاء.