التفاسير

< >
عرض

فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَىٰ هَـٰؤُلاۤءِ شَهِيداً
٤١
-النساء

محاسن التأويل

{ فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلّ أمّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاء شَهِيداً } قال الرازي: وجه النظم هو أنه تعالى بيّن أن في الآخرة لا يجزي على أحد ظلم، وأنه تعالى يجازي المحسن على إحسانه ويزيده على قدر حقه، فبيّن تعالى في هذه الآية أن ذلك يجزي بشهادة الرسل الذين جعلهم الله الحجة على الخلق لتكون الحجة على المسيء أبلغ، والتبكيت له أعظم، وحسرته أشد، ويكون سرور من قبل ذلك من الرسول وأظهر الطاعة أعظم، ويكون هذا وعيداً للكفار الذين قال الله فيهم: { { إِنّ اللّهَ لا يَظْلم مِثْقَالَ ذَرّةٍ } [النساء: 40] ووعداً للمطيعين الذين قال الله فيهم: { { وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا } [النساء: 40].
ثم [ في المطبوع: ثمن ] قال: من عادة العرب أنهم يقولون في الشيء الذي يتوقعونه: كيف بك إذا كان كذا وكذا، وإذا فعل فلان كذا، أو إذا جاء وقت كذا؟ فمعنى هذا الكلام: كيف ترون يوم القيامة إذا استشهد الله على كل أمة برسولها، واستشهدك على هؤلاء، يعني قومه المخاطبين بالقرآن الذين شاهدهم وعرف أحوالهم، ثم إن أهل كل عصر يشهدون على غيرهم ممن شاهدوا أحوالهم، وعلى هذا الوجه قال عيسى عليه السلام:
{ { وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَا دُمْتُ فِيهِمْ } [المائدة: 117]، ونظير هذه الآية قوله تعالى: { { وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلّ أُمّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ } [النحل: 89]، الخ.
وروى الشيخان وغيرهما عن عبد الله بن مسعود قال:
"قال لي رسول الله صَلّى اللهُ عليّه وسلّم: اقرأ عليّ . فقلت: يا رسول الله ! أقرأ عليك وعليك أنزل؟ قال: نعم، إني أحب أن أسمعه من غيري فقرأت عليه سورة النساء، حتى أتيت إلى هذه الآية: { فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلّ أمّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاء شَهِيداً } فقال: حسبك الآن . فإذا عيناه تذرفان" .
زاد مسلم: " شهيداً ما دمت فيهم، أو قال: ما كنت فيهم، شك أحد رواته " .
وروى ابن جرير عن ابن مسعود في هذه الآية قال: قال رسول الله صَلّى اللهُ عليّه وسلّم: " شهيد عليهم ما دمت فيهم، فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم " .