التفاسير

< >
عرض

ٱنظُرْ كَيفَ يَفْتَرُونَ عَلَى ٱللَّهِ ٱلكَذِبَ وَكَفَىٰ بِهِ إِثْماً مُّبِيناً
٥٠
-النساء

محاسن التأويل

{ انظُرْ كَيفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الكَذِبَ } أي: في تزكيتهم أنفسهم ودعواهم أنهم أبناء الله وأحباؤه، وقولهم: { { لَنْ يَدْخُلَ الْجَنّةَ إِلّا مَنْ كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى } [البقرة: 111] وقولهم: { { لَنْ تَمَسّنَا النّارُ إِلّا أَيّاماً مَعْدُودَةً } [البقرة: 80] واتكالهم على أعمال آياتهم الصالحة، وقد حكم الله أن أعمال الآباء لا تجزي عن الأبناء شيئاً، في قوله: { { تِلْكَ أُمّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ } [البقرة: 134]، الآية.
قال العلامة أبو السعود: ( كيف ) نصب إما على التشبيه بالظرف أو بالحال، والعامل ( يفترون ) وبه تتعلق ( على ) أي: في حال أو على أي: حال يفترون عليه تعالى الكذب، والمراد بيان شناعة تلك الحال وكمال فظاعتها، والجملة في محل النصب بعد نزع الخافض و ( النظر ) متعلق بهما، وهو تعجيب إثر تعجيب، وتنبيه على أن ما ارتكبوه متضمن لأمرين عظيمين موجبين للتعجيب: ادعاؤهم الإنصاف بما هم متصفون بنقيضه، وافتراؤهم على الله سبحانه، فإن ادعائهم الزكاء عنده تعالى متضمن لادعائهم قرب الله وارتضاءهم إياهم، تعالى عن ذلك علواً كبيراً، ولكون هذا أشنع من الأول جرماً، وأعظم قبحاً لما فيه من نسبته سبحانه وتعالى إلى ما يستحيل عليه بالكلية من قول الكفر وارتضائه لعباده، ومغفرة كفر الكافر وسائر معاصيه - وجّه النظر إلى كيفيته تشديداً للتشنيع وتأكيداً للتعجيب، والتصريح بالكذب، مع أن الافتراء لا كون إلا كذباً، لمبالغة في تقبيح حالهم.
{ وَكَفَى بِهِ } أي: بافترائهم هذا من حيث هو افتراء عليه تعالى مع قطع النظر عن مقارنته لتزكية أنفسهم وسائر آثارهم العظام.
{ إِثْما مّبِينا } ظاهراً بيناً كونه إثماً، والمعنى: كفى ذلك وحده في كونهم أشد إثماً من كل كفار أثيم، أو في استحقاقهم لأشد العقوبات ثم حكى تعالى عن اليهود نوعاً آخر من المكر، وهو أنهم كانوا يفضلون عَبْدة الأصنام على المؤمنين، تعصباً وعناداً، بقوله سبحانه:
{ أَلم تَرَ إِلَى الّذِينَ أُوتُواْ نَصِيباً مّنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطّاغُوتِ ... }.