التفاسير

< >
عرض

وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِن دَآبَّةٍ وَهُوَ عَلَىٰ جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَآءُ قَدِيرٌ
٢٩
-الشورى

محاسن التأويل

{ وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِن دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ } أي: حشرهم يوم القيامة: { إِذَا يَشَاء قَدِيرٌ } أي: متمكن منه، لا يتعذر عليه وإن تفرقت أوصالهم.
تنبيه:
ذهب بعض الباحثين في آيات القرآن الفلكية، والعوالم العلْوية إلى معنى آخر في هذه الآية. وعبارته: يفهم من الآية أن الله تعالى خلق السماوات دواب، ويستدل من قوله تعالى:
{ { وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ } [النور: 45]، أن هذه الدواب ليست ملائكة كما قال المفسرون، بل حيوانات كحيوانات الأرض، ولا يبعد أن يكون بينهم حيوان عاقل كالْإِنْسَاْن، ويلزم لحياة تلك الحيوانات أن يكون في السماوات نباتات، وأشجار، وبحار، وأنهار كما تحقق في هذا العصر لدى علماء الرصد.
ثم قال: لعمري، إن هذه الآية التي نزلت على محمد صلى الله عليه وسلم قبل ألف وثلاثمائة وعشرين سنة، لآية لأهل هذا العصر وأيّة آية، آية لأهل العلم، والفلسفة الذين يبذلون الأموال، والأرواح بلا حد، ولا حساب، ليتوصلوا إلى معرفة سر من أسرار الكائنات، ومع هذا الجد العنيف والجهد المتواصل منذ ثلاثمائة سنة، لم يتوصلوا إلا بالظن إلى ما أنبأت به هذه الآية. وجل ما توصلوا إليه بالبرهان العقلي، إن الأرض أصغر من الشمس، وأنها تدور حولها، وإن الكواكب السيارات كريّات، وإن النجوم الثوابت شموس، ولها سيارات تدور حولها، ولما ثبت لديهم جميعاً وجود الماء والهواء، وحصول الصيف والشتاء في هذه السيارات، ظنوا أنه يوجد فيها عالم كعالم الأرض.
وبدأ البعض منهم يفكرون بإيجاد الوسائل للمخابرة بالكهربائية مع سكان المريخ الذي هو أقرب السيارات إلينا، وليس ذلك بالمستحيل فنّاً. ويستدل على إمكانيته من آخر الآية نفسها وهو قوله تعالى: { وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاء قَدِيرٌ } فلا يبعد أن يتخابرا ويجتمعا فكراً، إذا لم يجتمعا جسماً. فلينظر الفلكيون إلى ما حوته هذه الآية المكنوزة في القرآن. وليعلم المعجبون منا بالعلوم العصرية، الضاربون صفحاً عن العلوم الإسلامية، ما في كتاب الله من الحكمة والبيان. وقال أيضاً: لا يخفى أن القرآن العظيم نزل لبيان الحق وتعليم الدين، أولاً وبالذات. لكن، تمهيداً لهذا السبيل، أتى بشذرات من العلوم الفلكية والطبيعية، وصرف بصائر الناس إلى التفكير في خلق السماوات والأرض، وما هن عليه من الإبداع، فوجه أبصارهم إلى التأمل في خلق الْإِنْسَاْن , وما عليه من التركيب العجيب، إلى غير ذلك من الأمور الفلكية والطبيعية في أكثر من ثلاثمائة آية.
فالمفسرون رحمهم الله، لما فسروا هذه الآيات، شرحوا معانيها على مقدار محيط علمهم بالعلوم الفلكية والطبيعية، ولا يخفى ما كانت عليه هذه الآلات في زمنهم من النقصان، لاسيما علم الفلك. فهم معذورون إذا لم يفهموا معاني هذه الآيات التي تحيّر عقول فلاسفة هذا العصر، المتضلعين بالعلوم العقلية. لذلك لم يفسروا هذه الآيات حق تفسيرها، بل أوّلوها وصرفوا معانيها عن الحقيقة إلى المجاز أو الكناية. انتهى كلامه.
وقال عالم فلكي أيضاً: يقول العلماء إنه من المحقق أن هذه السيارات مسكونة بحيوانات تشبه الحيوانات التي على أرضنا هذه، ويكون كل كوكب منها أرضاً بالنسبة لحيواناته، وباقي الكواكب سماوات بالنسبة لها.
قال: والظاهر أن القول بوجود الحيوانات في هذه الكواكب صحيح؛ لأن الله تعالى يقول في كتابه: { وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ } ويقول:
{ { يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ } [الرحمن: 29].