التفاسير

< >
عرض

وَلَقَدْ مَكَّنَاهُمْ فِيمَآ إِن مَّكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصَاراً وَأَفْئِدَةً فَمَآ أَغْنَىٰ عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلاَ أَبْصَارُهُمْ وَلاَ أَفْئِدَتُهُمْ مِّن شَيْءٍ إِذْ كَانُواْ يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ وَحَاقَ بِهم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ
٢٦
-الأحقاف

محاسن التأويل

{ وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِن مَّكَّنَّاكُمْ فِيهِ } أي: مكنّا عاداً، وآتيناهم من كثرة الأموال وقوة الأجسام، فيما لم نمكنكم فيه من الدنيا، على أن: إن شرطية محذوفة الجواب. والتقدير: ولقد مكناهم في الذي، أو في شيء، إن مكناكم فيه كان بغيكم أكثر. وقيل: هي صلة كما في قوله:

يُرَجَّى الْمَرْءُ مَاْ إِنْ لَاْ يَرَاْهُ وَيَعْرِضُ دُوْنَ أَدْنَاْهُ الْخُطُوْبُ

قال الزمخشري: والوجه هو الأول. ولقد جاء عليه في غير آية في القرآن: { { هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثاً وَرِئْياً } [مريم: 74]، { { كَانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثَاراً } [غافر: 82] وهو أبلغ في التوبيخ، وأدخل في الحث على الاعتبار.
قال الناصر: واختص بهذه الطائفة قوله تعالى:
{ { وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً } [فصلت: 15]، وقوله: { { مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ } [الأنعام: 6] أي: والأصل توافق المعاني في الآي الواردة في نبأ واحد. على ما فيه أيضاً من سلامة الحذف، والزيادة.
{ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصَاراً وَأَفْئِدَةً } قال الطبري: أي: جعلنا لهم سمعاً يسمعون به مواعظ ربهم، وأبصاراً يبصرون بها حجج الله، وأفئدة يعقلون بها ما يضرهم، وينفعهم { فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلَا أَبْصَارُهُمْ وَلَا أَفْئِدَتُهُم مِّن شَيْءٍ } أي: لأنهم لم يستعملوها فيما خلقت له، بل في خلافه: { إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُون } أي: من العذاب. قال الطبري: وهذا وعيد من الله عز وجل ثناؤه، لقريش. يقول لهم: فاحذروا أن يحل بكم من العذاب على كفركم بالله، وتكذيبكم رسله، ما حلّ بعاد، وبادروا بالتوبة قبل النقمة.
لطيفة:
قال الشهاب: أفرد السمع في النظم، وجمع غيره، لاتحاد المدرك به، وهو الأصوات، وتعددت مدركات غيره، ولأنه في الأصل مصدر، وأيضاً مسموعهم من الرسل متحد.