التفاسير

< >
عرض

هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ ٱلْمُكْرَمِينَ
٢٤
إِذْ دَخَلُواْ عَلَيْهِ فَقَالُواْ سَلاَماً قَالَ سَلاَمٌ قَوْمٌ مُّنكَرُونَ
٢٥
فَرَاغَ إِلَىٰ أَهْلِهِ فَجَآءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ
٢٦
فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلاَ تَأْكُلُونَ
٢٧
فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُواْ لاَ تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلاَمٍ عَلِيمٍ
٢٨
فَأَقْبَلَتِ ٱمْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ
٢٩
قَالُواْ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ إِنَّهُ هُوَ ٱلْحَكِيمُ ٱلْعَلِيمُ
٣٠
-الذاريات

محاسن التأويل

{ هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ } يعني: الملائكة الذين دخلوا عليه في صورة ضيف. قال الزمخشريّ: فيه تفخيم للحديث، وتنبيه على أنه ليس من علم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما عرفه بالوحي. وإكرامهم أن إبراهيم خدمهم بنفسه، وأخدمهم امرأته، وعجَّل لهم القِرى، أو أنهم في أنفسهم مكرمون.
{ إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَاماً قَالَ سَلَامٌ } أي: سلام عليكم { قَوْمٌ مُّنكَرُونَ } أي: أنتم قوم لا أعرفكم. وهو كالسؤال منه عن أحوالهم ليعرفهم؛ فإن قولك لمن لقيتهُ: أنا لا أعرفك! في قوة قولك: عرِّف لي نفسك وصِفْها.
{ فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ } أي: ذهب إليهم خفية من ضيوفه. ومن أدب المضيف أن يخفي أمرهُ، وأن يبادر بالقِرى من غير أن يشعر به الضيف؛ حذراً من أن يكفّه ويعذرهُ، قاله الزمخشريّ، وأيده الناصر بما حكى عن أبي عبيد: أنه لا يقال: راغ، إلا إذا ذهب على خفية، وأنه يقال: روَّغ اللقمة إذا غمسها فرويت سمناً، قال الناصر: وهو من هذا المعنى؛ لأنها تذهب مغموسة في السمن حتى تخفى. ومن مقلوباته: غور الأرض والجرح، وسائر مقلوباته قريبة من هذا المعنى. انتهى. { فَجَاء بِعِجْلٍ سَمِينٍ } أي: قد أنضجه شيّاً.
{ فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ } أي: بأن وضعهُ بين أيديهم { قَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ } أي: منه. قال القاضي: وهو مشعر بكونه حَنيذاً. والهمزة فيه للعرض، والحثّ على الأكل على طريقة الأدب إن قاله أول ما وضعه، وللإنكار إن قاله حينما رأى إعراضهم.
{ فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً } أي: أضمرها لظنِّه أنهم أرادوا به سوءاً { قَالُوا لَا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ } أي: يبلغ ويكمل علمه.
{ فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ } أي: صيحة { فَصَكَّتْ } أي: لطمت { وَجْهِهَا } أي: تعجباً على عادة النساء في كل غريب عندهن { وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ } أي: عاقر ليس لي ولد.
{ قَالُوا كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكِ } أي: مثل الذي قلنا وأخبرنا به قال ربك، فإنما نخبرك عن الله؛ فاقبلي قوله، ولا تتوهمي عليه خلاف الحكمة ولا الجهل بعدم قبولك للولادة { إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ }.