التفاسير

< >
عرض

وَٱلأَرْضَ وَضَعَهَا لِلأَنَامِ
١٠
فِيهَا فَاكِهَةٌ وَٱلنَّخْلُ ذَاتُ ٱلأَكْمَامِ
١١
وَٱلْحَبُّ ذُو ٱلْعَصْفِ وَٱلرَّيْحَانُ
١٢
فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ
١٣
-الرحمن

محاسن التأويل

{ وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ } أي: مهّدها للخلق { فِيهَا فَاكِهَةٌ } أي: صنوف مما يتفكّه به { وَالنَّخْلُ ذَاتُ الْأَكْمَامِ } أي: أوعية الطلع، وهو الذي يطلع فيه العنقود، ثم ينشقّ عن العقود فيكون بُسراً ثم رطباً، ثم ينضج ويتناهى نفعه واستواؤه، وإنمامختلفة بالذكر، لما فيها من الفوائد العظيمة، على ما عرف من اتخاذ الظروف منها، والانتفاع بجمّارها وبالطلع والبسر والرطب وغير ذلك؛ فثمرتها في أوقات مختلفة كأنها ثمرات مختلفة، فهي أتم نعمة بالنسبة إلى غيرها من الأشجار، فلذا ذكر النخل باسمه، وذكر الفاكهة دون أشجارها، فإن فوائد أشجارها في عين ثمارها.
{ وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ } أي: وفيها الحبّ، وهو حَبّ البُرّ والشعير ونحوهما { ذُو الْعَصْفِ } أي: الورق اليابس كالتبن { وَالرَّيْحَانُ } أي: الورق الأخضر، تذكير بالنعمة به وبورقه في حاليته. هذا على قراءة: { الريحان } بالجرّ. وقرئ بالرفع، وهو الزرع الأخضر مطلقاً، سمي به تشبيهاً له بما فيه الروح؛ لأن حياته النباتية في نضرة خضرته.
قال ابن عباس: الريحان خضر الزرع.
وقال القرطبيّ: الريحان، إما فيعملان، من روح، فقلبت الواو ياء، وأدغم ثم خفف، أو فعلان، قلبت واوه ياء للتخفيف، أو للفرق بينه وبين الروحان، وهو ما له روح. { فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } قال أبو السعود: الخطاب للثقلين المدلول عليهما بقوله تعالى:
{ { لِلْأَنَامِ } [الرحمن: 10]، وسينطلق به قوله تعالى: "أَيُّهَا الثَّقَلَانِ" [الرحمن: 31]. والفاء لترتيب الإنكار، والتوبيخ على فصل من فنون النعماء، وصنوف الآلاء الموجبة للإيمان والشكر حتماً. والتعرّض لعنوان الربوبية المنبئة عن المالكية الكلية والتربية مع الإضافة إلى ضميرهم لتأكيد النكير، وتشديد التوبيخ. ومعنى تكذيبهم بآلائه تعالى كفرهم بها، إما بإنكار كونه نعمة في نفسه، كتعليم القرآن، وما يستند إليه من النعم الدينية، وإما بإنكار كونه من الله تعالى، مع الاعتراف بكونه نعمة في نفسه، كالنعم الدنيوية الواصلة إليهم بإسناده إلى غيره تعالى استقلالاً، أو اشتراكاً صريحاً، أو دلالة، فإن إشراكهم لآلهتهم به تعالى في العبادة من دواعي إشراكهم لها به تعالى فيما يوجبها. والتعبير عن كفرهم المذكور بالتكذيب، لما أن دلالة الآلاء المذكورة على وجوب الإيمان والشكر، شهادة منها بذلك، فكفرهم تكذيب بها لا محالة، أي: فإذا كان الأمر كما فصل، فبأي فرد من أفراد آلاء مالِككما ومربيكما بتلك الآلاء تكذبان، مع أن كلاً منهما ناطق بالحق، شاهد بالصدق. انتهى.