القول في تأويل قوله تعالى:
{ قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ * ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ * لَآكِلُونَ مِن شَجَرٍ مِّن زَقُّومٍ * فَمَالِؤُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ * فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ * فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ * هَذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ } [49 - 56]
{ قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ * لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ } أي: معين عنده تعالى، وهو يوم القيامة.
{ ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ } أي: الجاهلون المصرُّون على جهالاتهم، والجاحدون للبعث.
{ لَآكِلُونَ مِن شَجَرٍ مِّن زَقُّومٍ } وهو من أخبث شجر البادية في المرارة، وبشاعة المنظر، ونتن الريح.
{ فَمَالِؤُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ } أي: من ثمراتها الوبيئة البشعة المرقة.
{ فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ } أي: الماء الذي انتهى حرهُ وغليانهُ. قال الزمخشري: وأنث ضمير الشجر على المعنى، وذّكره على اللفظ في قوله: { مِنْهَا } و { عَلَيْهِ }
{ فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ } أي: الإبل التي بها الهيام، وهو داء لا ريّ معه، لشدة الشغف والكلب بها.
{ هَذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ } أي: جزاؤهم في الآخرة، وفيه مبالغة بديعة، لأن النزل ما يعدّ للقادم عاجلاً إذا نزلْ، ثم يؤتى بعده بما هو المقصود من أنواع الكرامة، فلما جعل هذا، مع أنه أمر مهول، كالنزل، دلّ على أن بعده ما لا يطيق البيان شرحه، وجعله نزلاً مع أنه ما يكرم به النازل متهكماً، كما في قوله:
وكنا إذا الجبارُ بالجيش ضافَناجعلنا القَنَا والمرْهَفَاتِ لهُ نُزْلاً