التفاسير

< >
عرض

نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ فَلَوْلاَ تُصَدِّقُونَ
٥٧
أَفَرَأَيْتُمْ مَّا تُمْنُونَ
٥٨
ءَأَنتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَم نَحْنُ ٱلْخَالِقُونَ
٥٩
نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ ٱلْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ
٦٠
عَلَىٰ أَن نُّبَدِّلَ أَمْثَـٰلَكُمْ وَنُنشِئَكُمْ فِي مَا لاَ تَعْلَمُونَ
٦١
وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ ٱلنَّشْأَةَ ٱلأُولَىٰ فَلَوْلاَ تَذَكَّرُونَ
٦٢
-الواقعة

محاسن التأويل

القول في تأويل قوله تعالى:
{ نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ فَلَوْلَا تُصَدِّقُونَ * أَفَرَأَيْتُم مَّا تُمْنُونَ * أَأَنتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ * نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ * عَلَى أَن نُّبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنشِئَكُمْ فِي مَا لَا تَعْلَمُونَ * وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى فَلَوْلَا تَذكَّرُونَ } [57 - 62]
{ نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ } أي: معشر قريش والمكذبين بالبعث، فأوجدناكم بشراً، ولم تكونوا شيئا { فَلَوْلَا تُصَدِّقُونَ } أي: بالخلق، وهم وإن كانوا مقرين به لقوله:
{ { وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ } [لقمان: 25] إلا أنه نزل منزلة العدم والإنكار؛ لأنه إذا لم يقترن بالطاعة والأعمال الصالحة، لا يعد تصديقاً، أو المعنى: فلولا تصدقون البعث، فإن من قدر على الإبداء، قدر على الإعادة. { أَفَرَأَيْتُم مَّا تُمْنُونَ } أي: ما تقذفونه في الرحم من النطف.
{ أَأَنتُمْ تَخْلُقُونَهُ } أي: بجعله بشراً سويّاً.
{ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ } أي: بإفاضة الصورة الْإِنْسَاْنية عليه.
{ نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ } أي: كتبنا على كل نفس ذوقه، أي: ومن سبيله ذلك فشأنه أن يرهب من نزوله، ويتأهب لما يخوّف به من بعده، والجملة مقررة لما قبلها بإيذان أنهم في قبضة القدرة، فلا يغترون بالإمهال، بدليل ما قدره عليهم من الموت. وفي قوله تعالى: { بَيْنَكُم } زيادة تنبيه، كأنه بين ظهرانيهم، ثم أكد ما قرره بقوله تعالى: { وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ } أي: بمغلوبين.
{ عَلَى أَن نُّبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ } أي: بعد مهلككم، فنجيء بآخرين من جنسكم { وَنُنشِئَكُمْ فِي مَا لَا تَعْلَمُونَ } من صور وأشكال أخرى، فكيف نعجز عن إعادتكم؟
قال الشهاب: والظاهر أن قوله:
{ وَنُنشِئَكُمْ } المراد به إذا بدلناكم بغيركم، لا في الدار الآخرة، كما توهم، وهذا كقوله تعالى:
{ { إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ } [النساء: 133]، { وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى } أي: أنه أنشأكم بعد أن لم تكونوا شيئاً مذكوراً، فخلقكم وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة، { فَلَوْلَا تَذكَّرُونَ } أي: فتعرفون أن الذي قدر على هذه النشأة، وهي البداءة قادر على النشأة الأخرى، وهي الإعادة، وأنها أهون عليه.