التفاسير

< >
عرض

تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ ٱلْعَالَمِينَ
٨٠
أَفَبِهَـٰذَا ٱلْحَدِيثِ أَنتُمْ مُّدْهِنُونَ
٨١
وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ
٨٢
-الواقعة

محاسن التأويل

القول في تأويل قوله تعالى: { تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ * أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ أَنتُم مُّدْهِنُونَ * وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ } [80 - 82]
{ تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ } أي: الذي رباهم بالكمالات، وهداهم إليها بتنزيلها منه.
{ أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ } يعني القرآن الذي قص عليكم فخامة شأنه، وعظمة مقداره { أَنتُم مُّدْهِنُونَ } قال ابن جرير: أي: تلينون القول للمكذبين، ممالأة منكم لهم على التكذيب به والكفر. وأصل الادهان - كما قال الشهاب - جعل الأديم ونحوه مدهوناً بشيء من الدهن، ولما كان ذلك مليناً له محسوساً، أريد به اللين المعنويّ، على أنه تجوز به عن مطلق اللين، أو استعير لهُ؛ ولذا سميت المداراة والملاينة مداهنة. وهذا مجاز معروف، ولشهرته صار حقيقة عرفيه، فلذا تجوز به هنا عن التهاون أيضاً؛ لأن المتهاون بالأمر لا يتصلب فيه.
{ وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ } أي: شكر رزقكم إياه تكذيبكم به، كفراً لنعمته، وجحداً لمنته.
قال ابن جرير: أي: وتجعلون شكر الله على رزقه إياكم التكذيب، وذلك كقول القائل للآخر: جعلت إحساني إليك إساءة منك إليّ، بمعنى جعلت شكر إحساني أو ثواب إحساني إليك، إساءة منك إليّ.
وقد ذكر عن الهيثم بن عديّ: أن من لغة أزدشنوءة: ما رزق فلان، بمعنى ما شكر. انتهى.
وقد حمل بعضهم الرزق هنا على النعمة مطلقاً، والأظهر أنه نعمة القرآن، للسياق.
وقال القاشانيّ: أي: وتجعلون قُوتَكُمُ القلبيّ ورزقكم الحقيقيّ، تكذيبه، لاحتجابكم بعلومكم، وإنكاركم ما ليس من جنسه، كإنكار رجل جاهل ما يخالف اعتقاده كأن علمه نفس تكذيبه. أو رزقكم الصوريّ، أي: لمداومتكم على التكذيب، كأنكم تجعلون التكذيب غذاءكم، كما تقول للمواظب على الكذب: الكذب غذاؤه.