التفاسير

< >
عرض

يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلاَ تَتَنَاجَوْاْ بِٱلإِثْمِ وَٱلْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ ٱلرَّسُولِ وَتَنَاجَوْاْ بِٱلْبِرِّ وَٱلتَّقْوَىٰ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِيۤ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ
٩
إِنَّمَا ٱلنَّجْوَىٰ مِنَ ٱلشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَلَيْسَ بِضَآرِّهِمْ شَيْئاً إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُؤْمِنُونَ
١٠
-المجادلة

محاسن التأويل

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلا تَتَنَاجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ } أي: بطاعة الله، وما يقربكم منه، و { التَّقْوَى } أي: اجتناب ما يؤثم، { وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِيَ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ } أي: فيجزيكم بما اكتسبتم مما أحصاه عليكم.
ثم شجع تعالى المؤمنين في قلة المبالاة بمناجاة أعدائهم، وأنها لا تضرهم ما داموا مثابرين على وصاياه، متكلين عليه، بقوله { إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ } أي: النجوى التي ذمها، فاللام للعهد، أي: المزين لهذه النجوى بالشر، والحامل عليها الشيطان.
{ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ } أي: الشيطان، أو التناجي المذكور { شَيْئاً إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ } أي: بمشيئته { وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ } أي: بالمضي في سبيله، والاستقامة على أمره، وانتظار النصر على أثره.
لطيفة:
قال القاشانيّ: إنما نهوا عن النجوى لأن التناجي اتصال واتحاد بين اثنين في أمر يختص بهما، لا يشاركهما فيه ثالث. وللنفوس عند الاجتماع والاتصال تعاضد وتظاهر، يتقوى ويتأيد بعضها بالبعض فيما هو سبب الاجتماع لخاصية الهيئة الاجتماعية التي لا توجد في الأفراد، فإذا كانت شريرة يتناجون في الشر، ويزاد فيهم الشر، ويقوى فيهم المعنى الذي يتناجون به بالاتصال والاجتماع، ولهذا ورد بعد النهي قوله:
{ وَيَتَنَاجَوْنَ بِالْإِثْمِ } الذي هو رذيلة القوى البهيمية { وَالْعُدْوَانِ } الذي هو رذيلة القوى الغضبية { وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ } التي هي رذيلة القوة النطقية، بالجهل وغلبة الشيطنة، ألا ترى كيف نهى المؤمنين بعد هذه الآية عن التناجي بهذه الرذائل المذكورة، وأمرهم بالتناجي بالخيرات، ليتقووا بالهيئة الاجتماعية، ويزدادوا فيها فقال:
{ وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ } أي: الفضائل التي هي أضداد تلك الرذائل، من الصالحات والحسنات المخصوصة بكل واحدة من القوى الثلاث، { وَالتَّقْوَى } أي: الاجتناب: عن أجناس الرذائل المذكورة، انتهى.
قال ابن كثير: وقد وردت السنة بالنهي عن التناجي، حيث يكون في ذلك تأذّ على مؤمن. روى الإمام أحمد عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون صاحبهما، فإن ذلك يحزنه" انفرد بإخراجه مسلم.