التفاسير

< >
عرض

وَإِذَا جَآءَتْهُمْ آيَةٌ قَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ حَتَّىٰ نُؤْتَىٰ مِثْلَ مَآ أُوتِيَ رُسُلُ ٱللَّهِ ٱللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ سَيُصِيبُ ٱلَّذِينَ أَجْرَمُواْ صَغَارٌ عِندَ ٱللَّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُواْ يَمْكُرُونَ
١٢٤
-الأنعام

محاسن التأويل

{ وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آيَةٌ } أي: برهان وحجة قاطعة: { قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ } أي: من الوحي والمعجزات المصدقة له. كقوله تعالى: { { وَقَالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا } [الفرقان: 21] الآية.
وقوله قوله سبحانه:
{ { بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتَى صُحُفاً مُنَشَّرَةً } [المدثر: 52].
{ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ } كلام مستأنف للإنكار عليهم، وأن لا يصطفي للنبوة إلا من علم أنه يصلح لها، فيليق للاستشراق بأنوار علمه، والأمانة على مكنون سره، مما لو انكشف لغيره انكشافه له، لفاضت له نفسه، أو ذهبت بعقله جلالته وعظمته، فهو أعلم بالمكان الذي يضعها فيه منهم.
وقد روى الإمام أحمد عن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" إن الله عز وجل اصطفى من ولد إبراهيم، إسماعيل. واصطفى من بني إسماعيل، بني كنانة. واصطفى من بني كنانة قريشاً، واصطفى من قريش، بني هاشم. واصطفاني من بني هاشم " . وانفرد بإخراجه مسلم أيضاً.
وروى الإمام أحمد عن المطلب بن أبي وَدَاعَة عن العباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
" إن الله خلق الخلق فجعلني في خير خلقه، وجعلهم فريقين، فجعلني في خير فرقة، وخلق القبائل، فجعلني في خير قبيلة، وجعلهم بيوتاً، فجعلني في خيرهم بيتاً، فأنا خيركم بيتاً، وخيركم نفساً " .
{ سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغَارٌ } أي: ذلة وهوان بعد كبرهم وعظمتهم: { عِنْدَ اللَّهِ } أي: يوم القيامة، جزاء على منازعتهم له تعالى في كبره بردّ آياته ورسالته، واعتراضهم عليه في تخصيصه بالرسالة غيرهم { وَعَذَابٌ شَدِيدٌ } يعني: في الآخرة { بِمَا كَانُوا يَمْكُرُونَ } في الدنيا إضراراً بالأنبياء.
قال ابن كثير لما كان المكر غالباً، إنما يكون خفياً، وهو التلطف في التحليل والخديعة، قوبلوا بالعذاب الشديد من الله يوم القيامة، جزاء وفاقاً. ولا يظلم ربك أحداً. وجاء في الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:
" ينصب لكل غادر لواء عند استه يوم القيامة، فيقال: هذه غدرة فلان بن فلان " .
والحكمة في هذا، أنه لما كان الغدر خفيّاً لا يطلع عليه الناس، فيوم القيامة يصير عَلَماً منشوراً على صاحبه بما فعل. انتهى.