التفاسير

< >
عرض

وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ وُقِفُواْ عَلَى ٱلنَّارِ فَقَالُواْ يٰلَيْتَنَا نُرَدُّ وَلاَ نُكَذِّبَ بِآيَٰتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ
٢٧
-الأنعام

محاسن التأويل

{ وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ } أي: اطلعوا عليها فعاينوها. يقال: وقف فلاناً على ذنبه: أطلعه عليه. أو أُدخلوها فعرفوا ما فيها من العذاب. يُقال: وقفت على ما عند فلان، تريد: فهمته وتبينته. والوقف عليه مجازّي، أو هو حقيقيّ بمعنى القيام. و ( عَلَى ) إما على حقيقتها. أي: أُقيمو واقفين فوق النار على الصراط، وهو جسر فوق جهنم. أو هي بمعنى ( في )، أي: أُقيموا في جوف النار وغاصوا فيها، وهي محيطة بهم. وصحح معنى الاستعلاء حينئذ كون النار دركات وطبقات، بعضها فوق بعض.
{ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ } تمنوا الرجوع إلى الدنيا، حين لا رجوع، واعدين أن لا يكذبوا بما جاءهم، وأن يكونوا من المؤمنين، أي: بآياته، العاملين بمقتضاها، حتى لا نرى هذا الموقف الهائل. أو من فريق المؤمنين الناجين من العذاب، الفائزين بحسن المآب.
تنبيه
جواب ( لو ) محذوف، تفخيماً للأمر، وتعظيماً للشأن، وجاز حذفه لعلم المخاطب به. وأشباهه كثيرة في القرآن والشعر. ولو قدرت الجواب. كان التقدير: لرأيت سوء منقلبهم. وحذف الجواب في ذلك أبلغ في المعنى من إظهاره. ألا ترى أنك لو قلت لغلامك: والله ! لئن قمت إليك. وسكتّ عن الجواب، ذهب بفكره إلى أنواع المكروه من الضرب والقتل والكسر، وعَظُمَ الخوفُ، ولم يدر أي: الأقسام تبغي. ولو قلت: لأضربنك، فأتيت بالجواب لأمن غير الضرب، ولم يخطر بباله نوع من المكروه سواه. فثبت أن حذف الجواب أقوى تأثيراً في حصول الخوف -أفاده الرازي -وملخصه: أن حذف الجواب ثقة بظهوره، وإيذاناً بقصور العبارة عن تفصيله.