التفاسير

< >
عرض

يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَآءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِٱلْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُواْ بِمَا جَآءَكُمْ مِّنَ ٱلْحَقِّ يُخْرِجُونَ ٱلرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَن تُؤْمِنُواْ بِٱللَّهِ رَبِّكُمْ إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَاداً فِي سَبِيلِي وَٱبْتِغَآءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِٱلْمَوَدَّةِ وَأَنَاْ أَعْلَمُ بِمَآ أَخْفَيْتُمْ وَمَآ أَعْلَنتُمْ وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَآءَ ٱلسَّبِيلِ
١
-الممتحنة

محاسن التأويل

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء } أي: أنصاراً. نهيٌ لأصحاب النبي صلوات الله عليه، عن موالاة مشركي مكة المحاربين لله ولرسوله وقتئذ، لما فيها من الفتنة بالدين وأهله كما يأتي.
{ تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ } أي: صميم المحبة، والباء زائدة في المفعول { وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءكُم مِّنَ الْحَقِّ } أي: من الإيمان بالله ورسوله وكتابه، الذي هو نهاية الهدى، وغاية السعادة.
ثم أشار إلى أنهم لم يكفهم ذلك حتى آذوا المؤمنين، بما يقطع العلائق معهم رأساً، بقوله: { يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ } أي: من أرضكم ودياركم { أَن تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ } أي: يخرجونكم لإيمانكم بالله، الجامع للكمالات المقتضية انقياد الناقص له، لاسيما باعتبار اتصافه بوصف كونه رباكم بالكمالات، فهي بالحقيقة عداوة مع الله.
قال ابن كثير: هذا مع ما قبله من التهييج على عداوتهم، وعدم موالاتهم، لأنهم أخرجوا الرسول وأصحابه من بين أظهرهم، كراهة لما هم عليه من التوحيد، وإخلاص العبادة لله وحده؛ ولهذا قال تعالى: { أَن تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ } أي: لم يكن لكم عندهم ذنب إلا إيمانكم بالله رب العالمين كقوله تعالى:
{ { وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَن يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ } [البروج: 8]، وكقوله تعالى: { { الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ } [الحج: 40]، وقوله تعالى { إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ } أي: هاجرتم { جِهَاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاء مَرْضَاتِي } أي: للجهاد في طريقي الذي شرعته لكم، وديني الذي أمرتكم به. والتماس رضائي عنكم الذي لا ثواب فوقه، والشرط متعلق بـ { لَا تَتَّخِذُوا } أي: لا تتولوا أعدائي إن كنتم أوليائي { تُسِرُّونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنتُمْ } أي: من المودة معهم وغيرها { وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ } أي: اتخاذهم أولياء { فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ } أي: جار عن السبيل السوي الذي جعله الله هدى ونجاة.